مقاومة مكتسبة
تستطيع سلالات البكتيريا المختلفة التي كانت حساسة للمضادات الحيوية من قبل أن تصبح منيعة وتفقد حساسيتها لها وذلك إما عن طريق انتقال المادة الوراثية من إحدى السلالات المقاومة إلى إحدى السلالات غير المقاومة، وإما عن طريق طفرات تحدث ذلك التأثير. ولكن كما سنرى، فإن حتي تلك الطفرات لا يمكن الاستدلال بها مطلقا علي التطور بمعناه العام (الانحدار المشترك عن طريق الانتخاب الطبيعي العامل من خلال التغييرات العشوائية).
1) النقل الأفقي للجينات: وهو انتقال المادة الوراثية المسؤولة عن مقاومة البكتيريا للمضاد الحيوي من بكتيريا إلى أخرى بطريقة غير الإنقسام، تلك الخاصية تشيع في البكتيريا عن الكائنات الأرقى -مثل النباتات والحيوانات-، و تسمح تلك الخاصية بالانتشار السريع للمقاومة بين الأنواع المختلفة للبكتيريا. توجد المعلومات الوراثية المسؤولة عن المقاومة محمولة على جزيء صغير من الحمض النووي يُعرف باللازميد (Plasmid)، وعن طريق بعض الآليات تنتقل تلك البلازميدات من بكتيريا إلي أخرى حاملة معها المقاومة. وعلي الرغم من أن تلك العملية تفسر لنا كيف اكتسبت البكتيريا مقاومة جديدة، إلا أنها لا تفسر لنا كيفية نشأة هذا الجين في عالم البكتيريا من الأساس.
التنبيغ Transduction
وهي عملية نقل بعض جينات الخلية البكتيرية (الواهبة) إلى خلية بكتيرية أخرى (مستلمة) بواسطة العاثي البكتيري Bacteriophage وفيه تصاب بعض أجناس البكتريا ببعض أنواع الفيروسات والتي تدعى بالعاثيات. خلال عملية تضاعف الفيروسات، ينحشر جزء من دنا الخلية البكتيرية في الفاج الجديد المتكون وينتج عنه فاج معدي infective phage، الذي بإمكانه إصابة خلية بكتيرية أخرى (مستلمة) ونقل دنا الخلية البكتيرية (الواهبة) لها، عندها يحدث التبادل الوراثي بين الخلايا البكتيرية.
التحول Transformation
وفي تلك العملية تلتقط البكتيريا أجزاء من الدنا من البيئة المحيطة بها، تلك الأجزاء من الدنا كانت في الأصل لبكتيريا أخرى تحللت وأخرجت ما فيها من مادة وراثية.
الاقتران Conjugation
الاقتران هو الوسيلة الأشهر لنقل الجينات أفقيا بين أجناس البكتيريا، والاقتران عملية شديدة التعقيد ينتقل فيها جزيء دنا دائري وهو البلازميد من الخلية البكتيرية الواهبة إلي المستلمة. يتم ذلك عن طريق الشعيرات البكتيريا التي تمتد بين الخلايا البكتيرية كالجسر فتسمح باقترانهم و نقل المادة الوراثية. أحد الأمثلة على ذلك هو الجين المشفر لإنزيم البنيسيلناز (Penicillinase) الموجود في بلازميد الخلايا المقاومة للبنسلين، ويقوم ذلك الإنزيم بتدمير البنسلين وإبطال عمله فيحمي البكتيريا منه ويجعلها مقاومة له.
لا يستطيع الانتقال الأفقي للجينات أن يخبرنا الكثير عن تطور جينات المقاومة، كل ما يقدمه هو تفسير انتقال جينات المقاومة من بكتيريا مقاومة في الأصل إلى بكتيريا أخرى غير مقاومة، أما كيف ظهرت هذه الجينات في الأصل، فهذا السؤال لا تجيب عنه، وبالتالي فلا يمكن الاستدلال بالانتقال الأفقي علي حدوث التطور. فالمطلوب لإثبات التطور هو إثبات نشأة المعلومات الجديدة، وليس انتقالها من كائن لآخر.
2) الطفرات: وتعرف بتغييرات في الحمض النووي تحدث غالبا نتيجة خطأ في عملية تضاعف الحمض النووي، أو نتيجة التعرض لمؤثر خارجي. تتسبب الطفرات في أغلب الأحيان في إلحاق الأضرار بالخلية وإفساد وظائفها، ولكن من حين إلى آخر -ورغم ضعف الاحتمال- قد تتسبب في إحداث تغيير مفيد، وبناءً على هذا، فإن الطفرات هي الآلية الوحيدة التي لديها القدرة على تعليل أصل وجود المقاومة ضد المضادات الحيوية لدى البكتيريا.
ولهذا فإن المناعة الناتجة عن وقوع طفرة معينة في البكتيريا تصلح تمامًا لتكون مثالاً واقعيًا على صحة وسلامة نظرية التطور؛ لأنه في ظل وجود مضاد حيوي معين، فإن أي طفرة تؤدي إلى حماية البكتيريا من التأثير الضار أو القاتل لهذا المضاد الحيوي سوف يتم اعتبارها صفة أو سمة جديدة نافعة، ثم يأتي دور الانتقاء الطبيعي ليحافظ على سلالات البكتيريا الحاملة لهذه الطفرة، والتخلص من غيرها من البكتيريا عتيقة الطراز. هذا هو السيناريو الذي يقصه علينا التطوريون لإثبات أن ظهور المقاومة لدى الباكتيريا ضد المضادات الحيوية هو دليلٌ جليٌّ على صحة نظرية التطور وسلامة أطروحاتها، لكن الواقع أن دراسة هذه الطفرات عن كثب علي المستوي الجزيئي يفرز لنا سيناريو مغاير تماما.
لمحاولة الوصول لإجابة عن حدود قدرة الطفرات تابعوا معنا الجزء القادم...