ملاحظة المحرر: نشر مايكل بيهي في عام 2020 كتاب مصيدة فئران لداروين، وهي مجموعة من مقالاته وردوده على النقاد. جادل أستاذ الكيمياء الحيوية لورانس موران بأن بيهي قد أساء تفسير الأدلة وأساء فهم أهمية مقاومة الكلوروكين. وإليكم الجزء الثاني من الرد. يمكن قراءة الجزء الأول هنا: "ما القدر الذي يمكن للتطور أن يحققه فعلا؟!"
بعد نشر كتاب بيهي عام 2020 (مصيدة فئران لداروين) كان لي شرف إجراء مقابلة مع مايكل بيهي في سلسلة من المقابلات الصوتية. الذي ظهر بوضوح في مناقشاتنا أن بيهي مهتم بالبيانات. سواء كنا نتحدث عن تضاعف الجينات أو التطور المحايد neutral أو الطريق المحدد specific route لمقاومة الكلوروكين، فنحن بحاجة إلى أخذ البيانات على محمل الجد. من السهل اختلاق قصص حول كيف يمكن أن تؤدي هذه الطفرة أو تلك إلى هذه النتيجة أو تلك. الحكايات من هذا النوع لا تساوي قرشاً؛ ولكنها كانت ولفترة طويلة عنصراً أساسياً في الخطاب التطوري. سواء كانت حكاية طويلة عن رقبة الزرافة المثيرة للإعجاب، أو قصة مجهرية عن طفرات النيوكليوتيدات الصغيرة التي تشكل الامتدادات الوترية للحمض النووي للمتصورة المنجلية، فإن الحكايات لا أهمية لها إن لم تقيد بالبيانات.
وباختصار لا ريب أنه يمكننا تخيل عدة طرق مختلفة لمقاومة الكلوروكين، ولكن هذه الجهود يجب أن تخضع للبيانات. لذلك دعونا للحظة نرجع خطوة إلى الوراء ونفحص الاحتمالات المنطقية في ضوء البيانات.
أحد الاحتمالات المنطقية –وهي أبسط الحالات– أن مقاومة الكلوروكين قطعة من الحلوى وأن طفرة نقطية واحدة، كما في حالة atovaquone سوف تفي بالغرض. ولكن مثل هذا السيناريو البسيط لا يتناسب مع البيانات المناعية، وقد دحض تمامًا بعد عام 2014 من قبل روبرت ل. سامرز وزملاؤه في ورقتهم المنشورة في مجلة PNAS الأكاديمية، ومن ثم يمكننا شطبها من القائمة.
وهناك احتمال منطقي آخر يتمثل في أن مقاومة الكلوروكين تتطلب طفرتين. وليس مجرد أي طفرتين؛ البيانات المناعية تدحض ذلك. ولكن طفرتين منسقتين محددتين قد تفيان بالغرض، وتتناسبان بشكل جيد نسبيًا مع البيانات. يمكن أن تتوافق البيانات بشكل معقول مع طفرتين منسقتين سواء وفق معدل طفرة المتصورة –الذي قدره بيهي بحدود 10 ^ -8–، ربما جنبًا إلى جنب مع طفرة ثالثة في PfCRT، أو وفق معدل التطفير المقدر من قبل لورانس موران وهو 10 ^ -10. وفي كلتا الحالتين، فإن احتمال حدوث طفرتين منسقتين يتماشى تقريبًا مع تقدير وايت لمقاومة الكلوروكين.
لعل القراء يتذكرون أن هذا كان أساسًا اقتراح بيهي في عام 2007 عندما كتب (حافة التطور)، فقد كان الأساس تقريبا في الكتاب أن التفسير الأبسط والأقتر لندرة مقاومة الكلوروكين هو أنه يتطلب طفرتين منسقتين على الأقل. تبين أن تنبؤ بيهي كان صحيحًا وذلك استنادا إلى البحث اللاحق من سامرز وزملائه، وتم الآن الاتفاق على وجود حاجة إلى طفرتين منسقتين على الأقل.
الطرق المؤدية إلى روما؟
الاحتمال المنطقي الثالث هو أن هناك حاجة إلى المزيد من الطفرات - ثلاثة، أربعة، وربما حتى خمسة. قد يتناسب مثل هذا السيناريو بشكل معقول مع البيانات إذا كانت هناك مسارات محتملة متعددة لمقاومة الكلوروكين. أظهر سامرز وآخرون أن هناك حاجة إلى طفرتين منسقتين على الأقل لبدء مقاومة الكلوروكين. بمجرد أن منحت الفائدة الأولية من خلال هاتين الطفرتين المنسقتين، ستتمكن طفرات إضافية من تحسين المقاومة عبر عدد قليل من المسارات المختلفة. هذه هي المسارات التي تهم موران وهي بحسب اعتقاده حيث ضل بيهي.
جادل موران في مدونته Sandwalk بناء على قراءته لبحث سامرز وآخرون. أن "هناك حاجة إلى أربع طفرات منفصلة لمقاومة الكلوروكين الفعالة ويجب أن تحدث الطفرات بترتيب معين". ثم يصر على تأكيد ذلك مشيرا إلى أن "المزيج الخاص من الطفرات ربما تكون الطرق الوحيدة الممكنة للمقاومة".
هذه حجة غريبة إلى حد ما ضد بيهي. فلا ريب أن بيهي يوافق على أن هناك حاجة إلى طفرات متعددة وأن الحصول على المقاومة ليس شأنًا تافهًا، مع وجود العديد من المسارات المتاحة ، كما جادل بعض النقاد.
فقط لتوضيح عبارة موران للقراء، فهو لا يجادل بأن جميع الطفرات الأربعة مطلوبة من أجل الحصول على أي نتيجة مفيدة. إذا كان الأمر كذلك، فإن عقبة مقاومة الكلوروكين سترتفع إلى احتمال بحدود 10^40، مما يتناقض تمامًا مع البيانات، ويمثل عقبة لا يمكن حتى للمتصورة العدوانية التي تتكاثر بسرعة التغلب عليها.
على الطرف الآخر من الطيف ، لا يجادل موران بأن كل طفرة فردية تمنح فائدة انتقائية ذات مغزى للبلازموديوم، لأن ذلك من شأنه أن يتناقض مع سامرز وزملائه. ولن يكون له صلة بموضوع البحث هنا. على حد علمي ، لم يجادل بيهي أبدا بأن العملية الداروينية لا يمكنها بناء ميزة معقدة إذا كانت كل خطوة على الطريق تمثل ميزة ذات مغزى للكائن الحي. وهذه مسألة مختلفة، فكل المسألة قيد البحث تتلخص بسؤال إن كان التطور يمتلك قدرة معقولة على بناء أنظمة لا تكون الخطوات الوسيطة فيها مفيدة إن كانت منفردة لوحدها.
على الرغم من إشارة موران إلى أربع طفرات "فعالة" لمقاومة الكلوروكين، إلا أن موران يذكر قرّاءه مرة أخرى بأنه لا يختلف حول ندرة مقاومة الكلوروكين، لكنه لا يتفق مع تفسير بيهي لكيفية حدوثها. وهكذا عند مشاهدة موران يتفق مع النقطة الرئيسية لبيهي، ولكنه يجادل حول قضية جانبية، قد يسمح للمرء أن يتساءل إن كنا نشهد مرة أخرى شخصًا يجادل ضد بيهي لمجرد مبدأ الاختلاف مع ناقد للنظرية التطورية.
يلاحظ كيسي لسكين ما يلي:
... أهم حجة قدمها بيهي في كتابه حافة التطور ... لم ينقلب على ما إذا كان م.ت.ك CCC [مجموعة تعقيد الكلوروكين] يتطلب طفرة واحدة أو طفرتين أو خمسين طفرة في خمسين جينا مختلفا. وقال إن ( م.ت.ك) "من المفترض" أن يتطلب طفرتين متزامنتين ، لكنه لم يكن ركيزة حاسمة في حجته.
كانت حجة بيهي ببساطة هي ملاحظة ، على أساس بيانات الصحة العامة لوايت، أن مقاومة الكلوروكين تنشأ في 1 من كل 10^20 خلية. هذه نقطة بيانات. ثم طرح سؤالا افتراضيا: إذا كان (م.ت.ك) واحد يتطلب 10^20 تضاعفا، فماذا سيحدث إذا كانت هناك سمة معقدة مثل "م.ت.ك مزدوج"؟ مثل هذه السمة، كما جادل بيهي، تتطلب 10 ^40 خلية لتنشأ، وهي خلايا أكثر من الخلايا التي عاشت على مدار تاريخ الأرض. وخلص إلى أن هذا من شأنه أن يشكل مشكلة للداروينية...
على الرغم من الاعتراف بفكرة بيهي الرئيسية في كتاب "حافة التطور"، إلا أن موران يقلل من شأن تنبؤ بيهي (الصحيح) بأن حدثاً متعدد الطفرات كان مطلوبًا لمنح مقاومة الكلوروكين ويصر بدلا من ذلك على أن المقاومة "الفعالة" تتطلب أربع طفرات. يبدو أن موران لا يرى الصورة الأكبر.
الفئران لا تزال محاصرة
يبدو أن موران يعتقد أن بيهي قد قلل من قوة التطور. وكتب موران، المفتون بفكرة التطور المحايد، أن "التأثيرات التي تتطلب طفرتين فقط ستكون شائعة إذا كانت الأولى محايدة بشكل فعال (أو شبه محايدة) وهذا هو الدرس الحقيقي لمقاومة الكلوروكين [كما ورد]".
لسوء الحظ ، على الرغم من حماس موران ، فإن هذا بالتأكيد ليس الدرس الحقيقي لمقاومة الكلوروكين.
أظهر سامرز وزملاؤه أن هناك حاجة بالفعل إلى طفرتين في المتصورة قبل تحقيق تأثير مفيد (كما جادل بيهي). تذكر على الرغم من ذلك ، أننا في المتصورة نتعامل مع أعداد هائلة من الكائنات الحية ودورة تناسلية سريعة، ونحن نتعامل أيضًا مع تغيير بيولوجي بسيط إلى حد ما. المشكلة بالنسبة للتطور هي أنه يتعين عليه بناء أنظمة بيولوجية متطورة في ضوء وجود عدد محدود من الكائنات الحية خلال فترة زمنية محدودة. (هناك مشاكل أخرى في القصة التطورية أكثر إشكالية وأعمق من ذلك، لكننا نركز هنا على ما يفترض أن يكون التطور قادرًا على تحقيقه حتى داخل السرد التطوري المتفائل).
الدرس الحقيقي المستفاد هو أن التطور بأحسن أحواله مجرد عملية هزيلة بشكل محرج. مقابل بيانات العالم الحقيقي من الواضح أنه بغض النظر عن الأفكار التي نلقيها على الحائط لدعم القصة، ما زلنا بحاجة إلى أعداد هائلة من الكائنات الحية ذات الدورات التناسلية السريعة لتحقيق نتائج متواضعة باستعمال الوسائل التطورية. يمكننا أن نتجادل إن كان ينبغي تعريف مقاومة الكلوروكين "الفعالة" على أنها تتطلب أربع طفرات بالضبط. ويمكننا أن نتجادل إن كانت الطفرات مفيدة أو محايدة. كما يمكننا مناقشة الرياضيات فنكون بعيدين عن الهدف بحجم أسي من الاحتمالات. ومع ذلك، لا يخفف أي من هذا من التحدي الكبير الذي تفرضه بيانات العالم الحقيقي على القصة التطورية.
هذا هو الدرس الحقيقي لمقاومة الكلوروكين. هذه هي فكرة بيهي الحقيقية. وبمجرد أن ندرك هذه الفكرة، ينحدر التبادل بين بيهي ومنتقديه إلى شيء هزلي تقريبًا. بعد أن نجرد كل الخطاب النقاشي والرياضيات الفاخرة والمصطلحات البيولوجية المخيفة وننظر إلى خلاصة السجال، فإنه يذهب إلى شيء من هذا القبيل:
بيهي: كان من الصعب على المتصورة تطوير مقاومة للكلوروكين. الآلية التطورية ليست فعالة بما يكفي إن كانت هناك حاجة إلى طفرات منسقة. وهكذا، لشرح ما نراه في علم الأحياء، لا يبدو أن التطور يعمل بشكل جيد للغاية.
موران وأصدقاءه: أوه نعم؟ حسنًا ، إليك مسارات إضافية تظهر أن التطور لا يعمل بشكل جيد للغاية. خذ ذلك!
استمع إلى الطفيليات
إن بيهي محق تماما في القول بأنه إذا كنا بحاجة إلى كمية خلايا قدرها 10^20 لمنح سمة بسيطة نسبيًا مثل مقاومة الكلوروكين (كيفما تم التوصل إليها) ، فإن القصة التطورية في حالة يرثى لها. ويحسب لموران أنه يعترف بشكل صحيح بأن تطوير مقاومة الكلوروكين "هو حدث قريب من حافة التطور". ويحتاج حاليًا فقط إلى التروي قليلًا وتقدير الآثار المترتبة على القصة التطورية.
هل هناك وظائف في علم الأحياء معقدة أو يصعب تحقيقها مثل مقاومة الكلوروكين؟ بالطبع هناك. إن نظرة موجزة حول المحيط الحيوي تؤكد أنه سيكون من غير المنطقي التفكير بخلاف ذلك. يبدو أن منتقدي بيهي أعجبوا بسهولة تطوير المتصورة لمقاومة الكلوروكين كمثال ساطع على قوة التطور. لكن تذكروا أننا لا نتحدث عن تشكيل عضو جديد أو خطة جسم جديدة، أو بناء آلة جزيئية جديدة، أو بناء شبكة تنظيمية جديدة، أو حتى جين واحد جديد. كما يطرح بيهي ملاحظة بطريقة جافة، نتحدث فقط عن "عدد قليل من الطفرات النقطية في بروتين موجود مسبقا".
من الواضح تمامًا أن هذا هو كل ما يمكن أن نتوقعه من التطور.
المصدر: Real-World Data and the Lesson of Chloroquine Resistance