الجمعية الملكية السويدية للعلوم تنشر أحد أيقونات التطور الزائفة، والتي لا تعد تمثيلا صحيحا حتى لفرضيات تطور الإنسان، احتفالا بإعطاء جائزة نوبل في "الكيمياء" لثلاثة علماء "أذكياء" على نجاحهم في "تصميم" تجارب معملية تستفيد من "تسخير قوة التطور"!
ثم قامت للتو احتفالات في كل مكان بانتصار جديد لنظرية التطور، لكن قبل أن تقوم تلك الاحتفالات، ألم يسأل أحدهم نفسه سؤالا بسيطا؛ لو أن الطبيعة العمياء هي التي أنتجت لنا جميع الكائنات الحية عن طريق انتقاء الأصلح من نتائج الطفرات العشوائية (التطور الدارويني)، فلماذا تمنح جائزة نوبل للقيام بنفس ما تقوم به الطبيعة العمياء؟!
لا بد أن هناك شيء ما لا نفهمه هنا، شيء ما يحتاج للإيضاح...
المشكلة أن فضاء الإنترنت مليء بالفعل بالجهل، فإذا أضفنا لذلك محاولات كبرى المؤسسات العلمية -المستمرة والمستميتة- للتضليل الإعلامي المتعمد، فنحن أمام كارثة!
بعض الناس يظن أن جائزة نوبل تعطى للعالم بسبب اكتشافه الحديث لشيء ما!
بعض الناس يظن أن جائزة نوبل هي خاتم الحقيقة العلمية المطلقة!
بعض الناس يثق ثقة عمياء في المؤسسات العلمية، ويظن أن مجرد معارضتها بالنسبة له كفر بالآلهة العظمى!
بعض الناس لا يعرف من الحجج المعارضة للتطور إلا عبارة "التطور سقط في الغرب" (التي لا يقولها إلا جاهل بالتطور وبالغرب)!
طبعا إن نحينا كل ذلك جانبا، ونظرنا إلى منشور الأكاديمية السويدية للعلوم (المانحة لجائزة نوبل) وهي تضع الأيقونة العظمى للتطور، أيقونة تطور الإنسان من القرد؛ التي نراها خرافة(1)، ويراها أنصار التطور تمثيلا غير دقيقا لتطور الإنسان... نحن أمام كارثة.
سنحاول الإفادة قدر الاستطاعة، وسنحاول ألا نطيل، في الفيديو المرفق، يوضح د. دوجلاس أكس (الذي كان يعمل في مرحلة الدكتوراه في الهندسة الكميائية في كالتيك لدراسة تطور البروتيونات، في نفس الوقت الذي كانت تؤسس فيه د. فرانسيس أرنولد -الحائزة على نوبل هذا العام- معملها لدراسة تطور الإنزيمات) المشكلة الكبرى التي تواجه التطور الدارويني في هذا السياق؛ وهي تطفير بروتين وظيفي من أحماض أمينية موجودة بالصدفة، ويرى بناء على بحثه الذي نشره في مجلة البيولوجيا الجزيئية في 2004 أن ذلك أبعد بكثير مما تستطيعه الداروينية.(2)
أما المشكلة الصغرى فهي القيام بتطوير وظيفة جديدة لقاعدة بروتينية موجودة بالفعل، من خلال آليات عمل التطور الدارويني، بمعنى أن الذكاء أو التصميم أو التوجيه لا يمكنهم المشاركة في العمل، وليس أمامك سوى الصدف، والكثير من المعوقات...
والمفاجأة، أنهم وجودا أن حتى هذا عصي جدا على الآليات الداروينية!(3)
لكن ما لا تستطيع الآليات الداروينية تحقيقه، يستطيع أن يحققه العلماء في مجال الهندسة الحيوية باستعمال ذكائهم وتصميماتهم وآلياتهم، لذلك نجد أن دوجلاس أكس نفسه نشر تهنئته البارحة لفرانسيس أرنولد وجريج وينتر (زميله في كيمبردج) لاستحقاقهم الجائزة بسبب دفعهم البحث لأقصى حدوده واستعمالهم أدواتهم التكنولوجية الخاصة لتحقيق إنجازات تستحق فعلا أعلى درجات التكريم العلمي. وأوضح أكس أيضا أن "الفكرة هنا أنه بتطبيق انتقاء بيولوجي مصمم بدقة على مجموعات ضخمة من الجينات المتنوعة التي تأتي من نقطة انطلاق ذات تصميم مناسب، سنكون قادرين على إيجاد المتغير الواحد في المليار الذي يقوم بما نريده. وإذا تمكنا من ذلك، يمكننا حينها أن نصنع مليار نسخة من هذا المتغير ومن ثم إعادة العملية".(4)
تشارلز داروين في نهايات القرن التاسع العاشر أوضح أنه يرى أن لفظ الانتقاء الطبيعي "مصطلح سيء من بعض النواحي، لأنه يبدو كما لو أنه يعني الاختيار الواعي؛ ولكن هذا سيتم التخلص منه بعد القليل من الألفة. لا أحد يعترض على الكيميائيين عند حديثهم عن "الألفة الانتخابية elective affinity"؛ وبالطبع الحامض ليس لديه اختيار في الاندماج مع القاعدة، أكثر مما لدى ظروف الحياة في تحديد ما إذا كان شكلا جديدا سينتقى أو يحفظ أو لا".(5)
من الواضح أن القليل الذي تحدث عنه داروين منذ حوالي 150 سنة لم ينتهي بعد، فما زالوا يخلطون بين مفهوم "الانتقاء الطبيعي" الذي لا يعني الاختيار الواعي، وبين قدرتهم على القيام باختيارات واعية وشروط واضحة في التجارب التي يقومون بها.
سنحاول بإذن الله خلال هذا الأسبوع نشر المزيد من التوضيحات عن منهج التطور الموجه في الهندسة الحيوية للإنزيمات، وعن اختلاف ذلك عن التطور الدارويني وآلياته، وعن جائزة نوبل، وعن المؤسسات العلمية، والعديد من الأمور المتصلة بكل ذلك...