ملحوظة: هذا المقال من كتاب (التطور الموجه بين العلم والدين) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
عالم الجينات الأمريكي البارز "فرانسيس كولينز" Francis Collins كان رئيس مشروع "الجينوم البشري" Human Genome Project الذي قام بمجهود بارز حتى نجح في عمل خريطة لكامل الشفرة الوراثية في الإنسان (حوالي 3.1 مليار حرف). حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "بيل كلينتون" الانتهاء من المسح الأول له في يونيو عام 2000، قائلاً: «اليوم نحن نتعلم اللغة التي خلق الله بها الحياة»، وبجواره "كولينز" قائلاً: «إنه من المبهر أن ندرك أننا قد بدأنا في التعرف إلى كتاب التعليمات الخاص بنا، والذي لم يكن يعلمه في السابق إلا الله وحده».[1]
في عام 2006 قام "كولينز" بتأليف كتابه الأكثر مبيعًا (لغة الإله) The Language of God، والذي عرض فيه وجهة نظره بخصوص التوفيق بين الإيمان بالله والتصديق بالعلم، خصوصًا فيما يتعلق بنظرية التطور، وطرح أطروحته في التطور الإلهي المعروفة باسم البيولوجوس BioLogos.
وقد تأثر بكتابه وما فيه من أطروحات الدكتور "عمرو شريف" –أحد أبرز المتبنين لمذهب التطور الإلهي الموجه– واستشهد به عشرات المرات في كتابه (كيف بدأ الخلق) وفي غيره من كتاباته ومقالاته ومحاضراته العامة، ونظرًا لهذا التأثير البالغ لكولينز وأطروحاته كان من الواجب تناوله بالمناقشة في هذا الكتاب.
البرهان على الإيمان:
يحكي لنا "فرانسيس كولينز" في الفصل الأول من الكتاب كيف أن ما يسميه بالقانون الأخلاقي Moral Law يدل على وجود معنى للحياة يتجاوز المادة، ويقصد به حس الصواب والخطأ أو معرفة الحق والباطل، فجميع الناس يعلمون علمًا ضروريًّا بأن هناك حق وباطل، وأن هناك صواب وخطأ، ورغم أنهم يختلفون فيما بينهم في تحديد الصواب والخطأ لكنهم متفقون في أن هناك صوابًا وخطأ من ناحية المبدأ، وأن الإنسان بطبعه يسعى لاتباع الحق وتجنب الباطل.[2]
فوجود هذا المبدأ أو المفهوم أو القانون يدل على أن المذهب المادي لا يمكنه أن يفسر كل مظاهر الحياة، وأن هناك أبعادًا خارج نطاقه، كذلك يتكلم في نفس السياق عن خاصية الإيثار، والتي لا يمكن أن تكون نتيجة التطور الدارويني أو العوامل الاجتماعية مهما بلغت.[3]
وفي الفصل الثالث يكلمنا "كولينز" عن كون قوانين الفيزياء –مثل الشفرة الوراثية− تشير إلى وجود الله[4]، وأن الانفجار العظيم وحقيقة أن هذا الكون له بداية تتطلب تفسيرًا ميتافيزيقيًّا يتجاوز أسوار المادة[5]، وأن الضبط الدقيق في الانفجار العظيم والذي أدى إلى خروج الكون بهذه الصورة يشير إلى الخالق الذي قام بضبط ومعايرة إعدادات لحظة الانفجار العظيم[6]، ثم يتكلم عن المبدأ الإنساني ويجيب عن الاعتراضات الواردة عليه.[7]
هذه هي البراهين التي استعملها كولينز للدلالة على صحة الإيمان بوجود الله: القانون الأخلاقي، والانفجار الكبير، والضبط الدقيق لقوانين الفيزياء، ولا تجد فيها أي إشارة إلى الشفرة الوراثية أو التصميم المتقن البديع للكائنات الحية، وسوف نفهم لماذا في الصفحات التالية.
تعقيد الكائنات الحية:
في المقابل فإن التعقيد المشاهد في الكائنات الحية لا يصح أن يستعمل كدليل على الخالق عند "كولينز"؛ لأن الداروينية قد قامت بتفسير وجود هذا التعقيد بأنه نتيجة للأصل المشترك والانتخاب الطبيعي، وبالتالي لم يعد يجوز أن نستدل بهذا التعقيد على وجود الله وخالقيته![8] وأن الأدلة على صحة نظرية التطور الدارويني صارت قاهرة لأي عالم فاهم، وبالتالي فإن الاستدلال بالتعقيد على خالقية الله تعالى صار استدلالاً فاسدًا غير سليم! وأن كل الذين استدلوا في الماضي –وفي الحاضر كذلك!– ببرهان التعقيد أو التصميم في الكائنات الحية أخطأوا في هذا المسلك لأنه يؤدي إلى زعزعة الإيمان وانهياره عند المؤمن بمجرد اطلاعه على حقائق علم الأحياء ونظرية التطور.[9]
حتى في المواضع التي يعجز التفسير الدارويني أو المادي عن شغلها مثل نشأة الحياة أو نشأة الخلية الحية الأولى يحذرنا "كولينز" من اللجوء إلى الخلق الإلهي كتفسير لها، لأن العلم في المستقبل لن يعجز عن إيجاد التفسير المادي وعندها سيكون هذا الاستدلال سببًا في زعزعة عقائد المؤمنين كما حدث في السابق مع الكشوف العلمية لجاليليو وداروين؛ حيث اعتاد المؤمنون على تفسير الفجوات المعرفية التي يعجز العلم عن تفسيرها بأنها من فعل الله المباشر فيما يعرف بمفهوم إله الفجوات المعرفية.[10]
إله الفجوات المعرفية:
ما المقصود بإله الفجوات المعرفية؟ كان بعض اللاهوتيين النصارى قديمًا كلما أعياهم تفسير ظاهرة ما أو حادثة ما قالوا: إن سبب ظهورها أو وقوعها أو حدوثها هو الفعل الإلهي المباشر المجرد من الأسباب المادية، فقوس قزح سببه أن الله خلقه ليكون علامة على كذا، وفيضان النهر سببه أن الله خلقه لأجل كذا، وكسوف الشمس وخسوف القمر ونزول المطر وغيرها من الظواهر كانت تفسر بإرادة الله وفعله المباشر المجرد عن الأسباب المادية.
فلما تطورت العلوم وعرف العلماء أن هناك أسبابًا مادية للكسوف والخسوف والمطر والفيضان وقوس قزح... إلخ، حلت الأسباب المادية محل السبب الإلهي وتزعزع الإيمان بالله، لكن كانت ما تزال هناك ظواهر لم يتمكن العلم من تفسيرها فكانت تفسر بأن الله هو الذي سببها، لكن ظلت العلوم تتقدم وتنمو وتتطور على حساب الله، وكلما اكتشف سبب مادي لظاهرة ما، كانت مكانة الله تتآكل وتضعف.
فهذا المفهوم الذي يقوم فيه الله بتفسير الفجوات التي لم يملئها العلم ولم تبلغها المعرفة في هذا الزمان هو المقصود بمفهوم إله الفجوات المعرفية، والذي يجعل الله عرضة للنقد والتشكيك مع كل تطور وتقدم للعلوم والمعارف العلمية.
فخلاصة هذا المسلك هو اتخاذ الأسباب المادية المحضة كإطار علمي شامل لتفسير مختلف ظواهر الكون والحياة، ثم إذا عجزت الأدلة العلمية في موضع ما ووقعت فجوة معرفية تفسيرية في هذا الموضع، يتم استدعاء خالقية الله وفعله المباشر لسد هذا العجز وهذه الفجوة، فيكون الله حاضرًا فقط في الجزء غير المفسر من العلم، ومع تقدم العلم وظهور التفسيرات العلمية الجديدة يتضاءل هذا الجزء وربما يختفي تمامًا، وهذا مسلكٌ غير مستقيم عقلاً، وباطلٌ من الناحية العقدية.
لكن هل الاستدلال بتصميم وتعقيد الكائنات الحية يعتبر استدلالاً بمبدأ الفجوات المعرفية كما يزعم كولينز؟ الإجابة في الحقيقة هي لا، لأن من يستدل بتصميم وتعقيد الكائنات الحية، إنما يتبع قاعدة عقلية وهي إدراك الغائية والغرض في التصميم أو التعقيد، وبالتالي إدراك أنه من صنع صانع غائي، وفي المقابل فإن الطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي إما أن تكون عاجزة عن تقديم تفسير حقيقي لهذا التصميم أو التعقيد أو المعلومات الجديدة في الشريط الوراثي أو الوظيفة الجديدة أو العضو الجديد للكائن الحي أو أن تكون قوتها التفسيرية ضعيفة بالمقارنة بالقوة التفسيرية لفرض الخالق أو المصمم الذكي.
فعندنا كمسلمين مثلاً نرى أن وجود التعقيد والتركيب المنظم الغائي في الكائن الحي يدل على أنه من خلق الله، أو أنه له خالقًا بالاستنباط العقلي المباشر، وعند مدرسة التصميم الذكي Intelligent Design يعتبر تفسير التصميم والتعقيد خصوصًا إن كان تعقيدًا متخصصًا أو غير قابل للاختزال بأنه من فعل مصمم ذكي أولى من تفسيره بأنه نتاج العشوائية الداروينية، فالمسألة عندنا كمسلمين استنتاج عقلي مباشر بينما هي عند أنصار مدرسة التصميم الذكي مفاضلة بين التفسيرات للخروج بأفضل وأقوى تفسير.
والطريف أننا لو حاكمنا "فرانسيس كولينز" إلى ما يصفه بمبدأ الفجوات المعرفية لكان هو أول المدانين في هذه المحاكمة، فها هو في الفصل الثالث من الكتاب عند الكلام عن تفسير الضبط الدقيق والمعايرة الدقيقة لقوانين الفيزياء، يعقد المقارنة بين التفسيرات المختلفة ليخرج بأفضل تفسير، وهو أن هناك خالقًا لهذا الكون في مقابل التفسيرات المادية المنكرة لوجوده[11]، ويصرح أن الانفجار العظيم Big Bang يتطلب تفسيرًا إلهيًّا لوجوده، وأنه لا يمكن أن يتصور المرء خلاف ذلك.[12]
ألا يدرك "كولينز" أن التفسيرات المادية قد تسود في يومٍ ما وتطغى على التفسير الإلهي؟ وأنه قد يأتي اليوم الذي يقرر فيه العلم أن الانفجار الكبير وأن الضبط الدقيق لقوانين الكون قد يكونا نتاج عملية عشوائية مادية محضة؟ ثم دعونا نسأل كولينز: هل وجود النظام في الكون أدعى إلى الإيمان بوجود الله أكثر من وجود التعقيد المتخصص والتعقيد غير القابل للاختزال؟؟ هل دلالة انتظام أمواج البحر وانتظام دوران الأفلاك والنجوم أعلى من دلالة شفرة المعلومات الحيوية في الشريط الوراثي، أم أن العكس هو الأقرب للعقل؟! تفكيرٌ متناقضٌ في الحقيقة!
وأفدح من هذا تناقضه في الاستدلال بالقانون الأخلاقي عند الإنسان على وجود الله ووجود المعنى في الحياة، فنفس هذا القانون الأخلاقي يضع له الداروينيون العديد من التفسيرات التي تجعله مجرد نتاج لعملية التطور![13] أليس هذا –حسب كولينز− داعيًا إلى إقصاء التفسير الغيبي الميتافيزيقي واتباع التفسير "العلمي" الدارويني؟ لكن "كولينز" يستدل بأريحية بهذا القانون الأخلاقي في الإنسان متجاهلاً تفسيراته الداروينية، رغم أنه في مواضع أخرى يجعل وجود التفسيرات الداروينية لسائر مظاهر الحياة مبطلاً للاستدلال بها على وجود الله.
فأطروحة "كولينز" في الحقيقة تحتوي على متناقضات مثيرة للدهشة؛ فهو يعتبر أن النظام الكوني يدل على وجود الله، بينما التعقيد الحيوي الذي هو أقوى دلالة من مجرد النظام ليس دليلاً على وجود الله! ثم هو يقبل التفسيرات الداروينية على طول الخط، لكنه يرفضها فيما يتعلق بالجانب الروحي والأخلاقي للإنسان دون مبرر واضح لهذه التفرقة بين التفسيرات الداروينية!
البيولوجوس BoiLogos:
صاغ "فرانسيس كولينز" مذهبه في التطور الإلهي الذي سماه "البيولوجوس" في ست نقاط:
- ظهر الكون إلى الوجود من العدم منذ حوالي 14 بليون سنة.
- رغم أن الأمر غير محتمل بشكل كبير، فإن خصائص الكون تبدو مضبوطة بدقة لأجل ظهور الحياة.
- رغم أن آلية ظهور الحياة على الأرض ما تزال غير معلومة بدقة، إلا أنه بمجرد ظهور الحياة فإن عملية التطور والانتخاب الطبيعي سمحت بنشوء التنوع والتعقيد البيولوجي على مدار فترات طويلة جدًّا من الزمن.
- بمجرد دوران عجلة التطور لم تعد هناك حاجة لأي تدخل إلهي.
- البشر جزء من هذه العملية، ويشتركون بسلف مشترك مع القردة العليا.
- لكن البشر متفردين باعتبار طبيعتنا البشرية بما يرفض التفسير الدارويني، وهذا يتضمن القانون الأخلاقي (معرفة الصواب والخطأ)، والسعي إلى الله مما يميز جميع الثقافات البشرية عبر التاريخ.[14]
فهذه النقاط الستة تدل على أن الله قد خلق الإعدادات الأولية للكون فقط، ثم تركه يمضي بدون أي تدخل إطلاقًا إلا في منح الإنسان صفاته الروحية والأخلاقية فقط لا أكثر.
وقد جانب الصواب د. "عمرو شريف" عندما ذكر أن "كولينز" يرى «أن الخالق –عز وجل– وضع الشفرة الوراثية (الجينوم) في الخلية الأولى بشكل متناغم مع قوانين الطبيعة»[15]، فـ"كولينز" في الحقيقة يرى أن الله لم يضع فعليًّا الشفرة الوراثية في الخلية الأولى، وأنه رغم عدم وجود تفسير مادي لنشأة الحياة أو الخلية الأولى، إلا أن هذا لا يعني أن لن يمكننا في المستقبل العثور على هذا التفسير، ويحذر من التسرع باستخدام هذا القصور التفسيري كدليل على الخلق الإلهي![16]
كذلك يتضح من هذه الأطروحات أن "كولينز" يرفض مبدأ "تدخل" الله في الخلق بعد لحظة الخلق الأول، التي هي عنده لحظة الانفجار العظيم، وهو في موضع آخر من الكاتب يستقبح هذا المبدأ ويقول: إن «التصميم الذكي يُظهر الله في صورة إله متخبط يضطر للتدخل على فترات منتظمة لإصلاح مواطن القصور في خطته الأولية لأجل خلق تعقيد الحياة». [17]
لكن الحقيقة أن الاستدلال بالتصميم والتعقيد الموجود في الكائنات الحية على وجود الخالق العليم الحكيم من مقتضيات الفطرة الإنسانية والعقل السليم، وقد أوضحت ذلك في كتابي عن الإلحاد[18]، فضلاً عن كونه مسلكًا شرعيًّا اتبعه القرآن الكريم حين دعا إلى التفكر في خلق الإنسان وفي خلق الدواب والأنعام والإبل والخيل والبغال والحمير، بل حتى في خلق الذباب والبعوض! فلا يمكن لمسلمٍ أبدًا أن ينكر هذه الدلالة الباهرة لأجل تلك الشبهة الواهية التي يراها كولينز.
ولذلك نجد أن د. "عمرو شريف" –مع إعجابه الشديد بأطروحة البيولوجوس لكولينز وتأييده لها واستشهاده بمفرداتها− يستدل بالتصميم والتعقيد الباهر في الكائنات الحية على ضرورة وجود الخالق تبارك وتعالى، ويستعمل الأطروحات التي استنكرها "كولينز" بقوة؛ مثل التعقيد المتخصص والتعقيد غير القابل للاختزال، بل ويدافع عن مبدأ التصميم الذكي ضد منكريه.[19]
يُضاف إلى هذا حقيقة أن الزعم بأن الله لا يتدخل في الكون أو العالم المخلوق بالفعل المباشر يُنافي بشدة عقيدتنا في الله، وفي صفاته العُلا، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾[20]، فنحن لا نعتقد أن الله بعيد عن تدبير العالم ثم هو في أوقات معينة "يتدخل" بالتصحيح والتعديل المباشر لمسار الأحداث!! إنما الله يتحكم في كل شيء ويدبر كل شيء ولا يخرج أي أمر في الكون عن مشيئته وإرادته.
لكن الله يدبر أمور الكون عن طريق السنن الكونية والأسباب المادية الطبيعية، بحيث تمضي في المسارات التي أرادها الله وقررها في علمه الأزلي، وهذا لا يعني إطلاقًا أنه لا يخلق بالفعل المباشر المجرد عن الأسباب المادية والسنن الكونية، بل يفعل أحيانًا حسب مشيئته وحكمته، وقد وقع كبير أساقفة كنيسة كانتربري "روان ويليامز" في إحراج بالغ عندما زعم أن الله قد خلق الكون بحيث لا يتدخل إطلاقًا في مسار أحداثه، فسأله البروفيسور الملحد "ريتشارد دوكينز" عن المعجزات المذكورة في العهد الجديد مثل ولادة المسيح من مريم العذراء، هل كانت وفق الأسباب الطبيعية أم كانت بالتدخل الإلهي المباشر!فأسقط في يده وارتبك وتكلم بكلام غير مفهوم.[21]
فالله –جل وعلا– قد يخلق مباشرةً، وهذا أمرٌ يرجع إلى حكمته ومشيئته، ولا يجوز لأحد من الخلق أن يضيق نطاق أفعال الله، ويزعم أنه لا يخلق مباشرة، أو أن هذا انتقاصٌ له، أو أنه تدخلٌ منه فيما لا ينبغي له، فهو خالق هذا الكون وخالق كل قوانينه ويخلق ما يشاء ويختار.
وهو كذلك يخلق من خلال الأسباب المادية والسنن الكونية الطبيعية فيرسل السحاب وينزل المطر وينبت الزرع ويرزق البشر، ولا يخرج شيء في الأرض ولا في السماء عن خلقه وأمره، ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾.[22]
لكن مشكلة "فرانسيس كولينز" أنه يريد أن ينشئ لاهوتًا جديدًا يناسب الداروينية الحديثة ويوافق الأصل المشترك عن طريق الطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي، وهذا لن يكون إلا بتقليص خالقية الله وقيوميته ليكون إلهًا على النمط الربوبي لا يكترث للعالم ولا يتدخل فيه، بل يتركه للتطور العشوائي يعمل فيه ويسيّره.
يُضاف إلى كل ما سبق أن القوانين الفيزيائية والكيميائية الطبيعية لا يمكنها أن تفسر وجود الشفرة الوراثية بمحتواها المعلوماتي بالغ الثراء، ولا أن تفسر نشوء أجهزة وآلات بيولوجية معقدة سواء على مستوى الخلية أو على مستوى أنسجة وأعضاء جسم الكائن الحي.
القوانين الثابتة في العالم قد تؤدي فعلاً إلى وجود نظام order وانتظام regularity، لكن هذه القوانين بحسبها لا تفسر وجود أنظمة معقدة تحوي شفرات معلوماتية مثل الشريط الوراثي، فمن الممكن فعلاً أن تصطف الحروف بجوار بعضها البعض بناء على متوالية رياضية معينة، لكن هذه الحروف لن يمكنها أن تضع لنا رواية رومانسية أخذ فيها البطل بمشاعر القراء وسحر عقولهم، ولا يمكن أن تضع بنفس الطريقة برنامجًا للكمبيوتر لتسيير سفن الفضاء وتوجيهها، كذلك لا يمكن أن تخلق لنا شفرات معقدة تقوم بتسيير مهام ووظائف الخلية بهذه الدقة والعمق والتعقيد.
فالحقيقة أن تتابعات النيوكليوتيدات nucleotides في الشريط الوراثي ليست تتابعات صماء، إنما هي شفرة معلوماتية غنية بالأوامر والتوجيهات والإشارات، بل هي لغة −أو لغات− كاملة تتم ترجمتها من خلال آليات غاية في الدقة والإحكام إلى ما نراه في وظائف الخلية الحية، فهذه المعلومات لا يمكن أن تخرج إلى الوجود بالصدفة أو بمجرد فاعلية القوانين الصماء، بل لابد أن يكون لها خالق مباشر!
وهذا هو الفرق بين انتظام موجات البحر ورمال الصحراء وبين الشفرة الوراثية؛ فالنظام order في الأولى ناتج عن فاعلية القوانين الطبيعية غير العاقلة، أما تعقيد الشفرة الوراثية فهو نتيجة لغزارة المعلومات التي تحويها.
لهذا لا تحتوي الأمثلة الأولى على معلومات، بينما تحتوي الأمثلة الثانية (الشفرات الوراثية − الكتب − برامج الكمبيوتر) على معلومات، لأجل هذا السبب لابد من أن يكون هناك خالقٌ مباشرٌ للكائنات الحية يخلق بما يتجاوز مدى فاعلية القوانين المادية الصماء العمياء.
التصميم السيئ والحمض النووي الخردة:
يرى "فرانسيس كولينز" أن تصميم العديد من الأعضاء البشرية يدل على أن الإنسان ليس من خلق إله عليم حكيم، فتصميم العين ليس مثاليًّا لأن مستقبلات الضوء تقع في الطبقة السفلى، وبالتالي يمر الضوء على الأعصاب والأوعية الدموية قبل بلوغها، وكذلك تصميم العمود الفقري ليس مثاليًّا للإنسان المنتصب واقفًا، وكذلك ضروس العقل والزائدة الدودية، هذه كلها أمثلة –عند كولينز− على أن تصميم الإنسان لم يتبع خطة ذكية في الحقيقة![23]
كذلك تكلم عن الجينات الكاذبة والمادة الوراثية عديمة القيمة وتشابهها بين الإنسان وغيره من الثدييات كأحد الأدلة على عشوائية التطور، وأن هذا لا يمكن حدوثه إن كان الإنسان مخلوقًا مباشرًا لله العليم الحكيم![24] وتابعه على هذا المسلك د. "عمرو شريف"[25]، بل وافقه في التعبيرات كاتهام "كولينز" للتوراتيين أتباع مذهب الخلق المباشر بأنهم يفسرون الأدلة العلمية على التطور على أنها تعني أن الله يخدعنا ليختبر شدة إيماننا، ويقرعهم على هذا المسلك المثير للشفقة في فهم الظواهر الطبيعية.[26]
وكذلك استخدام د. "عمرو شريف" لنفس المنطق في سياق رده على المعارضين لنظرية التطور، قائلاً: «ما يقوله كثير من الخلقويين من أن الخالق يتعمد خداعنا ليوهمنا بحدوث التطور ليختبر إيماننا! [التأكيد من المؤلف]».[27]
ونحن لا يعنينا في هذا المقام الإجابة عن هذه الإشكالات التي يطرحها "كولينز" ويتابعه على بعضها د. "عمرو شريف"؛ حيث قام الباحث "كيسي لسكين" بالإجابة عنها من وجهة نظر علمية بحتة في فصل كامل من كتاب (العلم وأصل الإنسان).[28]
إنما هذا الطرح يجرنا إلى سؤال خطير: إن كانت الكائنات الحية لا تدل على أنها من خلق إله قدير عليم حكيم، فمن الذي خلقها؟ يظهر من كلام كولينز واستدلالاته أنه يقصد أن الكائنات الحية ليست من خلق الله المباشر، بل هي نتاج الطبيعة الصماء العمياء والتطور العشوائي، وبالتالي فاللاهوت الجديد الذي اخترعه "كولينز" يجعل في العالم إلهين: إله حكيم عليم خلق لحظة الانفجار العظيم وضبط إعداداتها، وإله أحمق أخرق خلق كل ما سوى ذلك في العالم!! كمثل عقيدة المجوس في إله الخير وإله الشر!
وهذه هي النتيجة المنطقية المتوقعة من الاعتقاد بصحة نظرية التطور الداروينية بجميع أركانها؛ حيث يصير الله –سبحانه وتعالى– لم يخلق شيئًا على وجه الحقيقة إلا الانفجار العظيم والنفخة الروحية للإنسان المنحدر من القردة العليا! والمرء يتساءل في حيرة: كيف كنا سنعلم أن الله موجود قبل ظهور نظرية الانفجار العظيم واكتشاف قوانين الفيزياء الحديثة؟ فإذا كان كل ما نراه في السماء والأرض والنجوم والشمس والقمر والجبال والبحار والأشجار والطير والدواب والأنعام وفي الإنسان لا يدل على وجود الله، فكيف كنا سنعرف وجوده إذن؟ وكيف يخبرنا الوحي أن كل ما نراه حولنا هو من آيات الله في الخلق؟
هل كان الوحي يخدعنا ليختبر إيماننا كما يزعم "كولينز" في حق الخلقيين الإنجيليين؟ أم أن أطروحة "كولينز" كلها لا تستقيم أبدًا لا مع الفطرة ولا مع العقل ولا مع الوحي المنزل؟ بل هل يؤمن "كولينز" –وهو من أتباع الكنيسة الإنجيلية− أن الله خرق قوانين الكون وشق البحر لموسى وجعل مريم تضع عيسى من غير أب وصنع المعجزات المذكورة في كتب أهل الكتاب؟ وهل يعتقد أن الله خرق القوانين وأنزل الوحي على أنبياء بني إسرائيل وتواصل مباشرةً مع خلقه؟
وكيف يستقيم هذا التصور العبثي العشوائي للخلق مع ما نقرؤه نحن المسلمين في القرآن من الدعوة إلى التدبر في آيات الله، في خلق كل ما نراه حولنا من الطير والشجر والدواب وحتى النمل والنحل؟! يقول الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، فآيات الله في الكون وفي الإنسان ترشدنا إلى الحق سبحانه وتعالى، لكن "فرانسيس كولينز" يرى أن النظام السماوي أو النظام الكوني فقط فيه آياتٌ على وجود الله لأجل انتظام القوانين وضبطها الدقيق، بينما يرى أن الإنسان ليس فيه أي آياتٍ على وجود الله لأنه مكدس بالأعضاء رديئة التصميم والأعضاء عديمة الوظيفة والحمض النووي الخردة عديم الفائدة! يقول جل وعلا: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[29] فآيات الله موجودة في خلق الإنسان والحيوانات، لكن "كولينز" بالطبع له رأي مخالف!
كذلك قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[30] يشير إلى أن كل النبات من النخل والأعناب والزيتون والرمان من آيات الله للمؤمنين. قال "أبو جعفر الطبري" –رحمه الله–: «يقول تعالى ذكره: إن في إنـزال الله من السماء الماءَ الذي أخرج به نباتَ كل شيء، والخضِرَ الذي أخرج منه الحبَّ المتراكب، وسائر ما عدَّد في هذه الآية من صنوف خلقه "لآيات"، يقول: في ذلكم، أيها الناس، إذا أنتم نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره، وعند ينعه وانتهائه، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرفه في زيادته ونموّه، علمتم أن له مدبِّرًا ليس كمثله شيء، ولا تصلح العبادة إلا له دون الآلهة والأنداد، وكان فيه حجج وبرهان وبيان "لقوم يؤمنون".
يقول: لقوم يصدقون بوحدانية الله وقدرته على ما يشاء، وخصّ بذلك –تعالى ذكره– القوم الذين يؤمنون؛ لأنهم هم المنتفعون بحجج الله والمعتبرون بها، دون من قد طَبعَ الله على قلبه، فلا يعرف حقًّا من باطل، ولا يتبين هدًى من ضلالة».
لكن "كولينز" يرى أنها ليس من آيات الله، بل هي نتاج الطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي، ولا تدل على وجود الله أو صفاته، فهل الله في القرآن يتعمد خداعنا عندما يستدل بهذه الآيات أم أن لاهوت البيولوجوس الذي يبشر به "كولينز" لا يستقيم أصلاً مع معطيات الوحي –فضلاً عن الفطرة والعقل والحس− الذي أنزل إلينا ولا يمكن أبدًا التوفيق بينهما؟
ولأجل هذا الطرح المنافي للفطرة السليمة والعقل السليم، نجد أن د. "عمرو شريف" –مع موافقته لـ"كولينز" جزئيًّا فيما يتعلق بالحمض النووي البشري− يشير إلى التصميم الموجود فيما حولنا كبرهان على وجود الله تبارك وتعالى[31]، ويدافع عن سلامة تصميم العين، وأنه ليس قاصرًا كما زعم كولينز[32]، ويدافع عن مفهوم التعقيد غير القابل للاختزال، الذي وضعه "مايكل بيهي" ضد اعتراضات "كولينز"، ويعتبر أن "بيهي" قد انتصر بالضربة القاضية على مخالفيه ومنتقديه.[33]
أما الإشكال الآخر المتعلق بالحمض النووي الذي يزعم الداروينيون أنه عديم الوظيفة، ويوافقهم في هذا الزعم أنصار التطور الإلهي مثل "كولينز"[34] ويتابعهم د. "عمرو شريف"[35]، فحقيقته أنه رغم جاذبيته الظاهرية يعجز عن التفرقة بين أمرين: كون الشيء بلا وظيفة ولا فائدة، وكونه ذي وظيفة وفائدة غير معلومة لنا.
قد يصور لنا الغرور العلمي أننا نعلم كل شيء ويجعلنا نصدر أحكامًا على أجزاء كبيرة من الحمض النووي تبلغ حوالي 98% منه أنها بلا وظيفة، وأنها خردة عديمة الفائدة، فنسعى في تفسير وجود هذا الحمض النووي عديم الفائدة بأنه نتاج التطور الدارويني العشوائي، ثم عندما يبدأ العلم والعلماء في اكتشاف وظائف هذا الحمض النووي رويدًا رويدًا ينحسر التفسير الدارويني رويدًا رويدًا، فيكون التفسير الدارويني في الحقيقة ليس إلا محاولة لملء الفجوات المعرفية، ولسد الفراغ الذي خلقه جهلنا العلمي، ثم مع تقدم العلم ينحسر التفسير الدارويني ويتقلص حتى يتلاشى تمامًا.
فبينما يزعم "فرانسيس كولينز" ود. "عمرو شريف" والداروينيون جميعًا أن الحمض النووي عديم الفائدة يقدم أقوى الأدلة على صحة نظرية التطور، فهم في حقيقة الأمر يبنون استدلالهم على جهالات، وكلما تعلمنا المزيد والمزيد عن الحمض النووي، وكلما اكتشفنا العديد من الوظائف لهذه الأجزاء من الحمض النووي، كلما انحسر الجهل الذي أسس لبناء هذا الاستدلال الدارويني، إنها فعلاً مفارقةٌ مثيرةٌ للسخرية أن يقع "كولينز" وغيره في نفس فخ الفجوات المعرفية والاستدلال بالجهل الذي ينكرونه على أنصار الخلق الإلهي المباشر.
ومن المفارقات الأكثر إثارة أن د. "عمرو شريف" بعد أن استدل بتشابه الحمض النووي عديم الوظيفة بين الإنسان والفأر كما فعل "كولينز" ليثبت أن الأصل المشترك حقيقة بيولوجية[36]، عاد وقال في نفس الكتاب عن القائلين بالتصميم الذكي:
«رأى هؤلاء استحالة أن يكون المصمم الذكي قد قام بهذا العبث وسوء الاستخدام، وأنه وضع هذه الكميات الهائلة التي لا لزوم لها من المادة الحية داخل الخلية. وهذا ما ثبت بالفعل، إذ تبين أن للـ"DNA" الذي سُمى مُهملاً أو سقطًا وظيفة حيوية لا تقوم حياة بدونها [التأكيد من المؤلف]».[37]
فهل له وظيفة كما يقول منظرو التصميم الذكي –ونقول نحن كذلك− أم أنه بلا وظيفة كما يقول "كولينز" حتى يستقيم استدلاله به في إثبات الأصل المشترك؟ تناقضٌ عجيبٌ يضاف إلى رصيد د. "عمرو شريف" من التناقضات![38]
الفرضية الزائدة:
يجيب كولينز عن أحد الاعتراضات ضد مفهوم البيولوجوس بأنه يخلق تناقضًا بين مفهوم الإله العليم الحكيم الرحيم والخلق الذي تسوده العشوائية والفوضى والصراع من أجل البقاء قائلاً: إن «التطور قد يبدو لنا تقوده الصدفة، لكنه من جهة الله فإن النتائج النهائية محددة مسبقًا، فالله قد يكون منخرطًا بالكامل في خلق كل الأنواع الحية، بينما من منظورنا المحدود بتأثير الزمن الخطي يبدو عملية عشوائية غير موجهة»،[39] فالله عند "كولينز" يوجه عملية غير موجهة، والخلق موجه وعشوائي في نفس الوقت، لكن المشكلة في منظورنا نحن! تناقضات عقلية ترتكب بمنتهى الأريحية!
لكن في الحقيقة لم نعرف ما سيكون عليه جواب "كولينز" بخصوص وجود التصميم السيئ في جسم الإنسان والحمض النووي الخردة عديم الفائدة، هل الله هو الذي خلقه؟ أم أن الله لم يخلقه وخلقه إله آخر؟ هل قام الله بتوجيه عملية التطور العشوائية وانخرط فيها بالكامل ليكون نتاجها حافلاً بسوء التصميم والحمض النووي الخردة عديم الفائدة؟ كنت أتطلع بشدة لمعرفة جواب "كولينز" عن هذه الأسئلة.
ثم لماذا نحتاج إلى افتراض وجود إله في الأساس؟ أليس التطور الدارويني عن طريق الطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي يفسر كل أشكال الحياة الموجودة على الأرض؟ ثم نشوء الكون يمكن تفسيره عن طريق الإلحاد بنظريات مثل الأكوان المتعددة أو الصدفة المحضة؟ إذن لماذا نجد أنفسنا مضطرين إلى افتراض وجود إله مع لاهوت البيولوجوس الذي يبشر به "فرانسيس كولينز"؟ أليس منافيًا للعقل السليم والمنطق الصحيح أن نفترض وجود إله حكيم عليم قدير منخرط في عملية الخلق العشوائية الصدفوية غير الموجهة ليخرج لنا كائنات رديئة التصميم مكتظة بالحمض النووي الخردة؟!
هل وجود الله يفسر وجود الكون وما فيه من مخلوقات على اختلافها وتنوعها؟ هل عنوان الكتاب (لغة الإله؛ عالم يقدم برهان الإيمان)، يعني أن مؤلفه يقدم لنا الدليل العلمي على وجود الله؟ للأسف يجيبنا "كولينز" بالنفي، فالعلم لا يدل على الله، «البيولوجوس لا يقصد به أن يكون نظرية علمية، وحقيقته لا يمكن اختبارها إلا بالمنطق الروحاني للقلب والعقل والنفس».[40] «الله خارج الطبيعة، وبالتالي فالعلم لا يستطيع أن يثبت أو ينفي وجوده»[41]، فالله عند "كولينز" مجرد فرضية زائدة لا يحتاجها العلم لتفسير وجود الكون أو وجود المخلوقات، ونحن باستطاعتنا تفسير جميع ظواهر العالم تفسيرًا إلحاديًّا دون الحاجة إلى افتراض وجود إله خالق مدبر قيوم. هذا مع وضعنا في الاعتبار أن نطاق العلم المادي التجريبي بصورته الحالية لا يشمل وجود الله وسائر الغيبيات كموضوعات خاضعة للعلم، بل نحن في استدلالنا بمعطيات العلم أو المكتشفات العلمية على وجود الله لا نزعم أننا جعلنا قضية وجود الله موضوعًا علميًا يخضع للمجهر أو التليسكوب أو جهاز كشف الإشعاع! بل مقصودنا أن هذه المعطيات العلمية هي في حقيقتها مقدمات تقودنا عبر الاستدلال العقلي السليم إلى وجود الله، فالعلم يبحث في المخلوقات، والمخلوقات تدل على الخالق، فالعلم إذن يدل على الخالق، ليس من خلال الكشف عنه بالأجهزة الإلكترونية الحديثة مثلاً! بل من خلال الاستدلال العقلي السليم.
وهل هناك أسوأ من أن يقال لنا: إن العلم لا يؤدي إلى الإيمان، وأن آيات الله في الكون وجميع المخلوقات في الحقيقة لا تدل عليه، وأنه لا يمكن معرفة وجود الله عن طريق تأملها وتدبرها والتفكر فيها؟ فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
[1] President Clinton Announces the Completion of the First Survey of the Entire Human Genome,” White House Press Release (June 25, 2000) last accessed July 16, 2015.
http://www.ornl.gov/sci/techresources/Human_Genome/project/clinton1.shtml.
[2] Francis S. Collins, The Language of God – A Scientist Presents Evidence for Belief, Free Press, New York London Toronto Sydney, July 7 2006, pp. 21−22.
[3] Ibid., p. 25.
[4] Ibid., pp. 62−63.
[5] Ibid., p. 67.
[6] Ibid., p. 72.
[7] Ibid., p. 74.
[8] Ibid., pp. 85−86.
[9] Ibid., p. 106.
[10] Ibid., pp. 92−93.
[11] Ibid., pp. 74−78.
[12] Ibid., p. 67.
[13] Youtube: The Root of All Evil? − "The Virus of Faith" at 40:50
https://www.youtube.com/watch?v=aMUG6qd98wc
[14] Collins, p. 200.
[15] د. عمرو شريف، "خرافة الإلحاد"، ص232.
[16] Collins, pp. 92−93.
[17] Ibid., pp. 193−194.
[18] هشام عزمي، "الإلحاد للمبتدئين"، مركز براهين 2015.
[19] انظر كتبه "كيف بدأ الخلق" و"وهم الإلحاد" و"خرافة الإلحاد".
[20] الزمر :62.
[21] يوتيوب: عبقرية داروين (نظرية التطور) − الحلقة الثالثة والأخيرة في الدقيقة 30 على هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=aXC2CPO1pW0.
[22] الأعراف :54.
[23] Collins, p. 191.
[24] Ibid., pp. 124, 126, 130−138.
[25] د. عمرو شريف، "كيف بدأ الخلق"، ص290.
[26] Collins, p. 176−179.
[27] د. عمرو شريف، "كيف بدأ الخلق"، ص290.
[28] تأليف آن جوجر ودوجلاس آكس وكيسي لسكين، ترجمة د. مؤمن الحسن ود. موسى إدريس، مركز براهين، الطبعة الأولى ديسمبر 2014، فصل (الحمض النووي الخردة والاندماج الصبغي وفرانسيس كولينز) ص98−115.
[29] سورة الجاثية: 4.
[30] سورة الأنعام: 99.
[31] د. عمرو شريف، "كيف بدأ الخلق"، ص218.
[32] المصدر السابق، ص230−232.
[33] المصدر السابق، ص225−230.
[34] Collins, pp. 126−138.
[35] د. عمرو شريف، "كيف بدأ الخلق"، ص289−290.
[36] المصدر السابق، ص289−290.
[37] المصدر السابق، ص254.
[38] انظر مقال (التناقض المعرفي).
[39] Collins, p. 205.
[40] Ibid., p. 204.
[41] Ibid., p. 165.