* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (صندوق داروين الأسود: تحدي الكيمياء الحيوية للتطور) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
يحتوي البروتين عادة ما بين الـ(50 إلى 3000) ثمالة حمض أميني، ويدعى التسلسل الأولي للأحماض الأمينية في البروتين بالبنية الأولية، وسيظل البروتين المكتمل يملك نهايات حرة من المجموعة الأمينية التي يرمز لها عادة بالنهاية الطرفية (N) ومجموعة كربوكسيلية حرة تدعى النهاية الطرفية (C). يكتب التسلسل الأميني عادة بدأً من الطرف (N) إلى الطرف (C). تسمى الذرات المرتصفة خطيًا بدءًا من النهاية الطرفية N إلى النهاية الطرفية C بالعمود الفقري للبروتين، وهذا يشمل كل الذرات باستثناء الموجودة على السلاسل الجانبية.
لنْ يتجول البروتين حديث الاصطناع كسلسلة حرة، ففي عملية مثيرة للاهتمام، تنطوي جميع البروتينات تقريبا لتشكل بُنًى دقيقة ومميزةٍ يمكن أن تكون مختلفة تمامًا بين البروتينات المختلفة، ويحدث هذا أوتوماتيكيا نتيجة التآثرات المختلفة كالتجاذب بين السلاسل المشحونة سلبا والمشحونة إيجابًا، أو تجمع السلاسل الجانبية الكارهة للماء مع بعضها لكي تخرجَ الماء من بينها، أوْ استبعاد السلاسل الجانبية الكبيرة من المساحات الضيقة وهكذا. وفي نهاية عملية التطوي، والتي تأخذ في معظم الحالات من ثانية إلى دقيقة، يمكنُ أنْ ينطوي بروتينان مختلفان إلى بنيتين دقيقتين ومختلفتين عن بعضهما البعض كاختلاف مفك الشد عن المنشار، وكما الأدوات المنزلية، إذا ما طرأ خلل في الشكل فمن المستحيل أنْ تؤدي البروتينات وظائفها.
عندما تنطوي البروتينات فإنَّها لا تتكوم على بعضها فجأةً، كما يفعل الخيط في يدك عندما تكومه، بل هناك قواعد تنظم هذا الفعل. قبل أنْ ينطوي البروتين فإنْ ذرات عموده الفقري القطبية –أي ذرات الأوكسجين والنتروجين والهيدروجين الموجودة في كل رابطة ببتيدية– ستشكلُ ما يُدْعى بالرابطة الهيدروجينية مع جزيئات الماء، وتقام الرابطة الهيدروجينية عندما يكون أكسجين الببتيد المشحون جزئيًّا أو النتروجين مرتبط ارتباطًا وثيقًا مع ذرات الهيدروجين في الماء والمشحونة جزئيا بشحنة موجبة. على أيّ حال، عندما ينطوي البروتين فإن عليه أنْ يخرجَ كل الماء تقريبا، لتستطيع السلاسل الجانبية الزيتية أنْ تجتمعَ بفعالية، وهذا أمر مُشكل، إذ إن على الذرات القطبية أن تجد شركاء لها يملكون شحنات مقابلة داخل البروتين المنطوي، وإلَّا فإنَّ البروتين لن ينطوي.
هناك طريقتان يمكن للبروتين أنْ يحلَّ بهما المشكلة. الأولى: يمكن لأجزاء من البروتين أنْ تشكلَ بنية تدعى الحلزون ألفا(α)، وفي هذه الحالة فإنَّ العمودَ الفقري للبروتين سيلتف على نفسه، وإنَّ هندسةَ الالتفاف هذه تجعل من ذرات الأوكسجين الموجودة في المجموعات الببتيدية تقابل مباشرة ذرات الهيدروجين من المجموعات الببتيدية في أربع ثمالاتٍ أمينية على امتداد طول السلسلة مشكلة معها روابط هيدروجينية، وتكون الرابطة الهيدروجينية التالية مع الثمالات الأربع التي خلفها وهكذا. عادة ما يكون حلزون (α) مكونا من (5 إلى 25) حمضًا أمينيًّا، ويسمح الحلزون α للبروتين بالتطوي والانضغاط، مع تشكيل روابط هيدروجينية بين ذراته الببتيدية. وهناك بنية أخرى تسمح بتنظيم الروابط الهيدروجينية بين الذرات الببتيدية تدعى الصفيحة أو الطية بيتا(β)، وفي هذه البنية يكون العمود الفقري للبروتين كالصفيحة المثنية، لأعلى وأسفل، وتلتصق الذرات الببتيدية على سطح المنحدر وفق اتجاه السلسلة، ومن ثم تلتف السلسلة راجعة. ترتبط ذرات الأوكسجين في المجموعة الببتيدية (من الشريط الراجع) بروابط هيدروجينية مع المجموعات الببتيدية من الشريط السابق. وكما في الحلزون (α) تسمح الصفائح (β) لذرات الهيكل العمودي القطبية بأنْ تشكلَ الروابط الهيدروجينية.
تعرف الحلزونات (α) والصفائح (β) بأنَّها البنيةُ الثانوية للبروتينات، ويملك البروتين النمطي ما بين 40–50 بالمئة من الثمالات الأمينية الداخلة في تلك الحلزونات أو الصفائح. أمَّا الأحماضُ المتبقية فسوف تدخل بدورها بين أقسام البنية الثانوية أو تشكل بنى غير منتظمة.
تتموضع الحلزونات والصفائح متكدسة مقابل بعضها لتشكل في معظم الحالات بروتينا كرويا، وتدعى الطريقة التي تتكدس بها عناصر البنية الثانوية بالبنية الثالثية للبروتين، وتأتي القوة الدافعة لتكدس الحلزونات والصفائح من الطبيعة الزيتية للعديد من الأحماض الأمينية.
كما تنفصل الزيوت عن الماء بطبقة مميزة، تتكاتفُ السلاسلَ الكارهةَ للماء مشكلةً منطقةً خاليةً من الماء في داخل البروتين. على أيّ حال، لنتذكر بأنَّ بعضَ السلاسل الجانبية البروتينية إما أنْ تكون مستقطبةً أو مشحونةً وتفضل البقاء في الماء، ومن هنا تتوفر المعلومات التي تقود بروتينا معينا لينطوي لبنية محددة، حيث أنَّ نمطَ السلاسل الجانبية المستقطبة أو الزيتية في تسلسل الأحماض الأمينية يملي الحاجةَ لأنْ تنطوي السلاسل البروتينية بحيث تكون معظم المجموعات الكارهة للماء في الداخل البروتيني ومعظم المجموعات المحبة للماء نحو الخارج.
هناك عامل آخر يساهم أيضًا في تطوي البروتين، ففي جميع البروتينات المنطوية تكون بعض السلاسل القطبية مطمورةً لا مفر؛ فإذا ما كانت الذرات القطبية غير قادرةٍ على إيجاد شريك تشكل معه روابط هيدروجينية فعندئذٍ يضطرب اتزان البروتين، لكن في معظم البروتينات، تشكل حوالي 90% من السلاسلِ القطبية المطمورة روابطَ هيدروجينية مع ذرات الهيكل البروتيني أو مع سلاسلَ جانبيةٍ أخرى في نمط يسمى (ارتبط قدر استطاعتك). ويحتاج تطوي البروتين نمطيا لتكييف مجموعاته المحبة للماء والكارهة للماء لتشكل شبكة من الروابط الهيدروجينية، ويمكن تمثيله بلعبة تركيبية ثلاثية الأبعاد.
تلتصق العديد من الببتيدات ببعضها بنوعية عالية لتشكل بنية تعمل كوحدة متكاملة، وفي مثل هذه الحالات، من العادة أن نشير إلى السلاسل الببتيدية المرتبطة كبروتين مفرد مكون من العديد من تحت الوحدات. على سبيل المثال فإن الهيموغلوبين (البروتين الحامل للأوكسجين) مكون من أربع عديدات ببتيد، ويكون البروتين المتجمع من تلك السلاسل قادرا على أداء وظيفته في نقل الأكسجين، بينما لا تستطيعُ تلك السلاسلُ منفردةً أنْ تقومَ بذلك وعليه فإنَّ الوظيفةَ البيولوجيةَ للبروتين هي نتيجةُ المعقد رباعي الببتيد. إنَّ الترتيبَ المحددَ للسلاسل عديدةِ الببتيد في البروتين يدعى البنية الرابعية.