نتابع سويا أحداث اليوم الثاني من مؤتمر (الاتجاهات الجديدة في البيولوجيا التطورية New Trends in Evolutionary Biology)، والتي ينقلها لنا بعض العلماء المؤيدين للتصميم الذكي الذين حضروا المؤتمر، ولكن طبعا بدون الكشف عن هوياتهم للأسباب المعروفة.
بعد مقدمة موجزة لدكتور (دينيس نوبل Denis Noble)، كانت المحاضرة الأولى من قبل (جيمس شابيرو James Shapiro) حول الهندسة الوراثية الطبيعية (قراءة وكتابة الإبداعات الجينية). وكان الاكتشاف الأكثر إثارة للاهتمام في حديثه أن عناصر الدنا غير المشفرة Non-coding DNA ترتبط بالتعقيد العضوي، وليست خردة عديمة الوظيفة.
رد عليه راسل لاند بأن جزء كبير من قائمتك معروف جيدًا منذ فترة طويلة ولا يشكل أي تهديد للداروينية الحديثة. فأجابه شابيرو بأنه قد سأل فرانسيسكو آيالا ذات مرة في الذكرى المئوية لوفاة داروين عن العناصر القابلة للتحويل واعتبرها أيالا غير مهمة. يعني وكأنه يقول له بلباقة أخبر ذلك لآيالا تلميذ دوبزنسكي والرئيس السابق لـ AAAS؛ وغيره من رواد الداروينية الحديثة والمتصدرين للحديث باسمها.
الجدير بالذكر أنه لا شيء من الظواهر التي ذكرها شابيرو (مثل التعايش الجواني endosymbiosis، والتهجين، والنقل الأفقي للجينات HGT، ومضاعفة الجينوم، والعناصر الجينية المتحركة MGEs) يمكنه تفسير أصل المعلومات الجديدة المعقدة، فهي لا تمثل إلا إعادة خلط للمعلومات الموجودة مسبقا. ولكن مع ذلك بعضها يمثل بالفعل تحديا للداروينية الحديثة، والبعض الآخر تم تجاهله، وليس الأمر بالسهولة التي يدعيها لاند.
أما المحاضرة الثانية فكانت لدكتور (بول جريفيث Paul Griffiths) حول مفارقة المعلومات البيولوجية. اقترح فيه مفهومًا بسيطًا وعمليًا للمعلومات البيولوجية، ولكن بدون أي تشبيه لها بالتواصل أو المعنى أو القصد. استنادًا إلى فرضية تسلسل كريك (حول التخصيص)، يعتبر جريفيث المعلومات البيولوجية بمثابة التحديد الدقيق للتسلسل (مثل شفرة مورس)، فهي إذن وسيلة للحديث عن التحكم السببي شديد الدقة. ونقل المعلومات هو نقل للتخصيص السببي (كخصائص الأشياء) بين الجزيئات أو الخلايا. وشرح أيضا حدود الأسباب الجينية وخلص إلى أن المعلومات فوق الجينية لا يمكن اختزالها في المعلومات الجينية. وهو يعتبر المفاهيم السابقة للمعلومات البيولوجية غير عاملة، خاصة إذا كانت تشير إلى تاريخ النظام بدلاً من حالته المادية.
هذا المفهوم الذي طرحه جريفيث عن المعلومات البيولوجية، والذي يجمع بين تقليل البدائل والفاعليَّة السببية يمكن أن يكون مفيدًا للبحث المتعلق بالتصميم الذكي، على الرغم من أننا بالطبع (كأنصار للتصميم) نعارض استبعاد القصدية.
المحاضرة الثالثة كانت للدكتورة (إيفا جابلونكا Eva Jablonka) عن الوراثة فوق الجينية. تحدثت فيها عن أن التركيبة الحديثة (الداروينية الحديثة) قللت من أهمية اللدونة، وانتقاء المجموعة، وما إلى ذلك، وأنها استبعدت صراحة "الوراثة الناعمة soft inheritance".
كان كارل بوبر قد أدرك بالفعل هذا الخطأ في إحدى محاضراته الأخيرة وتوقع بالعناصر الأساسية للتركيبة التطورية الموسعة. نحن نعلم الآن أن ظواهر مثل الوراثة فوق الجينية هي بالفعل واسعة الانتشار.
لسوء الحظ، نفد وقت جابلونكا قبل أن تنهي حديثها. فقط في فترة الأسئلة والأجوبة استطاعت أن تتناول بإيجاز السؤال الحاسم حول أهمية الوراثة فوق الجينية epigenetic للتطور الكبروي، والذي تعرفه على أنه أي تطور يتجاوز مستوى الأنواع species. لكن كان من الواضح أن ذلك لن يساعد في تفسير ظهور الإبداعات الكبرى في تاريخ الحياة.
كانت المحاضرة الرابعة لدكتور (جريج هيرست Greg Hurst) حول الهولوبَيونات holobionts (تجمع من المضيفين وأنواع ميكروبية تعيش في بيئتهم الحيوية) كوحدات للانتقاء. كان الحديث ممتعًا وبه بعض النقاط المضحكة، لكن لم يكن له صلة بالمشكلة الحاسمة المتعلقة بنشأة المعلومات المعقدة الجديدة.
كانت المحاضرة الخامسة لدكتور (دينيس نوبل Denis Noble) عن التطور من وجهة نظر التخصصات العلمية الأخرى. قارن فيها بين المنهج الاختزالي للقرن العشرين وبين المنهج التكاملي للقرن الحادي والعشرين. كانت نقطته الرئيسية هي أن الكائنات الحية يمكنها تسخير العشوائية لتوليد وظائف، بحيث يمكن أن يكون هناك وجهة نهائية للتطور. أكد نوبل أنه ليس لديه أي خصومة مع التركيبة الحديثة، لكننا ببساطة أصبحنا نعرف الكثير الآن.
وكالعادة خرج راسل لاند ليكرر أن هذا كان معروفًا منذ فترة طويلة، بل وحتى قبل التركيبة الحديثة، إلخ، إلخ.
فرد عليه نوبل: لا، فهذا ينطوي على رؤية تكاملية، وذلك تغيير مفاهيمي ناتج عن تراكم العديد من الأدلة الجديدة.
ثم ورده سؤال من عالم كمبيوتر يقول: لا يمكن للتغييرات العشوائية تحسين برنامج قريب من المستوى الأمثل، لكنها ستؤدي حتماً إلى تدهوره.
وكانت إجابة نوبل: سيكون هذا صحيحًا إذا لم تكن هناك ثلاث طبقات من تصحيح الخطأ؛ والتي تقلل من معدل الخطأ إلى واحد لكل جينوم منسوخ.
إجابة نوبل هذه جيدة لشرح تفسير سبب عدم تدمير الطفرات العشوائية للجينوم بسرعة، لكنها لا تشرح لنا كيف يمكنهم إنشاء معلومات ووظائف جديدة.
السادس كان (آندي جاردنر Andy Gardner)، وتحدث في محاضرته عن الأنسنة anthropomorphism في علم الأحياء التطوري، وأخيراً ذكر التصميم الذكي.
لقد أدلى بتصريح مفاجئ مفاده أن ويليام بالي كان من أوضح الكتاب في تفسير معنى التكيف. إنه ليس كاملا أو مثاليا، ولكنه ابتكار لغرض، وعلاقات الأجزاء ببعضها لنفس الغرض.
وادعى أن داروين واجه مشكلة التصميم الواضح وقدم تفسيرات لها، بينما لم يفعل ذلك بالي. قدم جاردنر حجة غريبة مفادها أنه من منظور التصميم الذكي، يجب تصميم الغزلان للركض نحو الفهود، ثم قدم شريحة سخيفة قام فيها بتحريف فكرة التصميم الذكي كما لو أن ملخصها هو أن "الله فعلها".
استنادًا إلى أعمال بريان تشارلزورث وباتريك موران، ادعى جاردنر أن علماء الوراثة السكانية يكرهون عمومًا فكرة التكيف من حيث كونه زيادة ضخمة للياقة (اعترض راسل لاند بشدة في المناقشة اللاحقة).
كانت المحاضرة السابعة لدكتور (باتريك بيتسون Patrick Bateson) حول القدرة على التكيف والتطور، وكانت مرتكزة بشكل أساسي على الظواهر ذات الصلة بتأثير بالدوين (والتي يفضل باتسون تسميتها "محرك القدرة على التكيف adaptability driver") والاستيعاب الجيني. واقتبس عبارة (ويست إيبرهارد West-Eberhard) أن "الجينات أتباع، وليسوا قادة، في التطور". وشدد في ختامها على أنه يتعين علينا أن نراقب بعناية استخدامنا لللاستعارات، لأن "الانتقاء الطبيعي ليس فاعلا". وادعى أن القدرة على التكيف مهمة في توليد التغيير التطوري، لكنه لم يقدم أي تفسير لأصل التعقيد.
وأعقبت المحادثات حلقة نقاش بين كارترايت وفوتويما وأولر وفيلدمان وجاردنر.
قدمت كارترايت مقدمة موجزة وذكرت أنها اعتقدت دائمًا أن التطور الدارويني هو برنامج بحث قابل للتطبيق، وتساءلت؛ "هل لدينا هنا برنامج بحث تطوري قابل للتطبيق؟"
وقالت سونيا سلطان: يجب أن يكون هناك مجال لطرق مختلفة للرؤية دون التخلي عن نموذج لآخر، لأن هذا يؤدي إلى طرح أسئلة مختلفة.
أما جابلونكا فسألت فوتويما: ما الذي يمكنك اعتباره -باستثناء فكرة الإله- امتدادًا رئيسيًا وليس مجرد مساحيق تجميل؟
وأجاب فوتويما: كان هناك استيعاب جيد للأفكار الجديدة (في التركية الحديثة). لكن الجديد حقا سيكون آلية للتكيف لا تقوم على فكرة الانتخاب. هذا سيكون حقا مفاجئا.
الخلاصة؛ فشلت جميع عناصر التركيبة التطورية الموسعة في تقديم تفسيرات كافية للعجز التفسيري الجوهري للتركيبة الحديثة (المعروفة أيضًا باسم الداروينية الجديدة) التي تم تسليط الضوء عليها صراحة في الحديث الأول للاجتماع بواسطة جيرد مولر؛ التعقيد الظاهري والإبداع المظهري.
المصدر (بتصرف):
- David Klinghoffer, From a Confidential Informant, Notes on Day 2 of the Royal Society Meeting, Evolution News, November 11, 2016. https://evolutionnews.org/2016/11/from_a_confiden/