* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (العلم الزومبي: أيقونات التطور من جديد) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
كيف يمكننا أن نعرف إذا كان أحد الأشياء التي نسمع فيها "العلم يقول" حقيقة أم لا؟ في النهاية، سيكون عليك أن تدرك الحقيقة بنفسك. هذا لا يعني أنه لا توجد حقيقة موضوعية وأن كل شيء ذاتي. ولكن الناس في بعض الأحيان –حتى اللطفاء منهم والأذكياء– يربطون أنفسهم بأفكار تبدو منطقية لكنها تشوه الحقيقة الموضوعية. حينما يأتي الأمر للعلم، سيقال لك شيئا واحدا من مؤسساتنا العلمية والتعليمية التي تتمتع بالثراء البالغ والسلطة الهائلة، وكذلك من وسائل الإعلام الرئيسية التي تعمل كأبواق لهم. ولكنك ربما تتعلم شيء آخر تماما إذا نظرت إلى الأدلة نفسها؛ تلك هي الحقيقة الموضوعية.
وقبل أن نمضي قدما، دعونا ننظر في بعض الطرق التي يستعمل الناس فيها كلمة "العلم".
ما هو العلم؟
العديد من الناس يميلون لاحترام العلم والثقة في أحكامه. ولكن العلم قد يعني أشياء مختلفة. فمن ناحية، العلم هو عملية البحث عن الحقيقة من خلال صياغة فرضيات واختبارها بمقابلتها بالأدلة. إذا اختبرت الفرضية مرارا ووجدناها في توافق مع الأدلة، ربما نميل مؤقتا لاعتبارها حقيقة. وإذا وجدناها مرارا في عدم توافق مع الأدلة، فيجب أن نتراجع عنها أو نرفضها لكونها خاطئة. نسمي هذه العملية بالعلم التجريبي. عند مستوى معين جميعنا علماء بهذا المعنى، لأنه في حياتنا اليومية نحن نقارن بين أفكارنا وخبراتنا ونراجعها إن اقتضى الأمر، وغالبا بدون تردد.
ومن ناحية أخرى، يرى الناس العلم على أنه التطورات الحديثة في الطب والتكنولوجيا التي أثرت حياتنا. تلك التطورات نشأت من إبداع الإنسان وتصميمه، ولكن تطبيقاتها العملية تتضمن اختبارها من خلال مقابلتها بالأدلة لنرى إن كانت ستعمل. إذن، التطورات في الطب والتكنولوجيا لها جانب تجريبي كما لها جانب إبداعي. دعنا نسمى ذلك بالعلوم التكنولوجية.
ومن ناحية ثالثة، يشير العلم إلى المؤسسة العلمية، والتي تتكون من أشخاص مدربين وموظفين لإجراء الأبحاث في المجالات المختلفة. دعنا نسمى ذلك بعلم المؤسسات، أو فقط العلم. غالبية آراء هذه المجموعة يشار إليها أحيانا بـ"الإجماع العلمي"، وهذا الذي يعبر عنه في بعض الأوقات بـ"كل العلماء يتفقون..." (بالرغم من أن بعضهم عادة لا يتفق)، أو بـ"العلم يقول...".
على مدار التاريخ، غالبا ما تم إثبات أن الإجماع العلمي غير جدير بالثقة. في عام 1500، انعقد الإجماع العلمي على أن الشمس تدور حول الأرض، الرأي الذي هدمه نيكولاس كوبرنيكوس وجاليليو جاليلي. وفي عام 1750، انعقد الإجماع على أن بعض الكائنات الحية (كالديدان) تنشأ من خلال التولد الذاتي، الرأي الذي هدمه فرانشيسكو ريدي ولويس باستور. وهناك العديد من هذه الأمثلة في تاريخ العلم.
ومن ناحية رابعة، يعرّف بعض الناس العلم على أنه عملية تقديم تفسيرات طبيعانية لكل شيء، أي؛ تفسير كل الظواهر من ناحية الأشياء المادية والقوى الفيزيائية الموجودة بينها. هذا يسمى أحيانا بـ"المنهجية الطبيعانية"، الفكرة التي ترى أن العلم محصور في التفسيرات المادية، لأن تكرار التجارب يمكن أن يجرى فقط على الأشياء المادية والقوى الفيزيائية.
من حيث المبدأ، المنهجية الطبيعانية ليست ادعاء حول الواقع، ولكن تقييد للمنهج. هي لا تلغي وجود المجالات غير المادية. ولكن عمليا، العديد من العلماء يفترضون أنهم إذا قاموا بالبحث لفترة كافية، سيجدون تفسيرًا ماديًا لأي شيء يفحصونه.
هذا الافتراض بأن هناك تفسيرات مادية لكل شيء ليس متعلق فقط بالمنهج، ولكنه معادل للفلسفة المادية التي تعتبر أن الأشياء المادية والقوى الفيزيائية هي الحقائق الوحيدة. أما العقل، والإرادة الحرة، والروح، والإله، فتعتبر أوهام. التصميم الذكي، الفكرة التي ترى أن بعض خصائص العالم هي نتاج سبب ذكي وليس عمليات طبيعية غير موجهة، هي أيضا تعتبر وهم.
ليس كل العلماء اليوم ماديين، والحق أن العلم الحديث بدأ أساسا على يد مسيحيين[*] أوروبيين مؤمنين بالإله. وبالرغم من ذلك، العلم اليوم يحكم بواسطة الفلسفة المادية. الأولوية تعطى لتقديم والدفاع عن التفسيرات المادية بدلا من اتباع الأدلة إلى حيث تقود. هذه الفلسفة المادية التي تتنكر في صورة العلم التجريبي، أنا أسميها العلم الزومبي.
أنا لا أسمي العلماء (أو أي أشخاص حقيقيين غيرهم) زومبي. ولكن حينما يصر الناس على الدفاع عن التفسيرات المادية بعدما يتم توضيح كونها غير متوافقة مع الأدلة، وهي بالتالي ميتة تجريبيا، فهم يمارسون العلم الزومبي.
ونحن نجد أكثر عروض العلم الزومبي الملفتة للنظر في البيولوجيا التطورية.
[*] يشير المؤلف بالطبع إلى فترة نيوتن وكيبلر وجاليليو وغيرهم، لكن لا شك أن في المسألة خلاف تاريخي بين المسلمين والمسيحيين حول متى ظهرت الممارسة العلمية. لكن سواء كانوا مسلمون أو مسيحيون، فهذا لا ينقض دعوى كونهم مؤمنين بالإله ورافضين للفلسفة المادية.