* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (التصميم الذكي ومفهوم التعقيد المحدد) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
بلغَ عمرُ مصطلح التعقيد المحدّد الآن ثلاثين عاما. وقد استخدمَهُ الباحثُ عن الذكاء خارجَ الأرض ليزلي أورجل Leslie Orgel لأوَّل مرَّةٍ عام 1973م في كتابه (أصول الحياة) حيث كتب :"تتميَّزُ الكائناتُ الحيَّةُ بتعقيدِها المحدد. فالبلورات –كالغرانيت مثلًا– لا تستحقُّ اسمَ الحي لأنَّها تفتقرُ إلى التَّعقيد، ومزيجٌ عشوائيٌّ من البوليميرات لا يستحق اسم الحي لأنَّه يفتقر إلى التحديد".(3) استخدم أورجيل لفظةَ التعقيد المحدد بشكلٍ مطَّاطٍ، دون تقديم تصوُّرٍ تحليليٍّ دقيقٍ لها. أصبحَ هذا التَّصوُّرُ في متناولِ أيدينا اليوم ويعود الفضلُ للعلماء الـمُختصِّين بنظريَّة التصميم الذكي. يضم مصطلحُ التعقيد المحدد ثلاث عناصرَ رئيسية –كمعاييرَ إحصائيَّةٍ لتحديد تأثيرات الذكاء–:
– العُنصُرُ الاحتماليُّ للتعقيد ويُطبَّقُ على الأحداث.
– العنصر الوصفيُّ للتعقيد ويطبق على النماذج.
– المقياسُ الاحتماليُّ للفرص المتاحة لإنتاج الحدث بالصدفة.
التَّعقيدُ الاحتماليّ: يُمَكِّنُ عرض الاحتمالية في صورة التعقيد. لنفهمَ ذلك سنأخذُ القُفلَ التوافقيَّ كمثال. فكلما زادَ عددُ التوافقات في القُفلِ زاد تعقيدُ مهمة الفتح وضعُفت بالتالي احتماليَّةُ فتح القفل بالصدفة. فإن كانَ للقفل مثلًا لوحةٌ دائريَّةٌ مُرَقَّمَةٌ من 0 وحتى 39 ولا بُدَّ من توجيه السَّهم ثلاثَ مرَّاتٍ على الأرقام الصحيحة لفتح القفل عندها سيكون لدينا (40×40×40=64000) احتمالٍ ممكن. وهذا الرقمُ يُعطينا فكرةً عن مدى تعقيد هذا القفل، وهو يتفق مع احتمال 1\64000 لأن يُفتحَ القفلُ بطريق الصدفة –أي دون معرفةِ الرَّمز الخاص بالفتح–. القفلُ الذي يحوي لوحةً مرقَّمَةً من 0 وحتى 99 مع ضرورة توجيه السَّهم للرَّقم الصحيح خمسَ مراتٍ أعقَدَ بكثيرٍ إذ سيكون لدينا احتمالٌ ممكن (=100×100× 100× 100×100)، عندها سيكون احتمال فتح القفل بالصدفة هو 1\10,000,000,000. هذا يعني أنَّ التعقيدَ والاحتماليةَ يتغيران بشكلٍ متعاكس –كلما زاد التعقيد نقص الاحتمال– لذا يُمكِنُ القولُ بأنَّ التعقيدَ في مصطلح (التعقيد المحدد) يدلُّ على اللا احتمالية.
التعقيد الوصفي كنموذج: تُظهرُ التحديداتُ درجاتٍ مختلفةٍ من التَّعقيد تتمثَّلُ بمدى سهولة أو صعوبة وصف هذا النموذج. لنعرف المدى الذي يتراوح فيه التعقيد الوصفي لهذه النماذج. نأخذُ مثالًا من نتائجَ تجربتي رمي قطعة النُّقود 10 مرات:
التجربة الأولى:ص ص ص ص ص ص ص ص ص ص.
التجربة الثانية: ص ص ش ص ش ش ش ص ش ص.
أيُّ النتيجتين أقربُ لأن تكونَ بالصدفة؟ كلا النتيجتين لهما نفسُ الاحتمال –واحد بالألف تقريبا 1\2^10–؛ لكنَّ النموذجَ الذي يحدِّدُ النتيجةَ الأولى أسهلُ وصفًا بكثير من النموذج الذي يحدِّدُ النتيجةَ الثانيةَ إذ يمكنُ تحديدُ نموذج النتيجة الأولى بعبارةٍ بسيطة 10"صور متتالية"، في حين لا يمكن تحديدُ نموذج النتيجة الثانية إلَّا بعبارةٍ طويلة "صورتان فشعارٌ فصورةٌ فثلاثةُ شعاراتً فصورةٌ فشعارٌ فصورة". لذا يمكن التعبيرُ عن التعقيد الوصفيّ بطول العبارة التي تصفُ الطرازَ وهناك الكثير من الأدبيات العلمية حول هذا الموضوع.(4)
إذا أردنا أن نحكمَ على شيءٍ أنَّهُ ذو تعقيدٍ محدَّدٍ فلا بُدَّ أن يكونَ التعقيدُ الوصفيُّ فيه ضعيفًا –يمكن وصفه بسهولة كتسلسل الصور المتتالية الناتج من التجربة الأولى– والتعقيد الاحتمالي كبيرًا –احتماليته ضئيلة–. إنَّ الدمجَ بين ضآلة التعقيد الوصفي –نموذج أو بنية سهلة الوصف بعبارة قصيرة– مع ضخامة التعقيد الاحتمالي –يصعب جدًّا حدوثُ هذا الشيء بالصدفة– يجعَلُ من التعقيد المحدد مفهومًا فعَّالًا في التعبير عن الذكاء. ونظرًا لضآلة التعقيد الوصفي فيُمكِنُ إعادةُ بناء النموذج –أو البنية– بشكلٍ مستَقِلٍّ عن أيِّ حَدَثٍ ماديٍّ مسببٍ له. ولهذا السبب يمكنُ اعتبار التحديدات نماذجَ مستقلة.
المعطياتُ الاحتماليةُ تشيرُ لعددِ فرص حصولِ الحدَثِ وكونه محددا. قد يغدو الحدثُ الذي يبدو بعيدَ الاحتمال محتملًا جدًّا بتوفر المعطيات الاحتمالية الكافية أو قد يبقى بعيدَ الاحتمال حتى بعد توافر كل المعطيات الاحتمالية له. فللمعطيات الاحتمالية شكلان، تكراريٌّ وتحديدي؛
– المعطياتُ التكراريَّةُ تشيرُ إلى عدد فرص حصول الحدث.
– المعطيات التحديديةُ تشيرُ إلى عددِ فُرَصِ كونِ الحدثِ محددا.
ولنعرفَ مدى أهمية هذين النوعين من المعطيات الاحتمالية نتخيَّلُ أنَّنا نقفُ في تقاطعٍ مزدَحِمٍ فتمُرُّ من جانبنا 10 سيارات بونتياك حمراء لها أربعةُ أبوابٍ بشكلٍ متتالٍ. هل يحدثُ هذا بالصدفة؟(5) أنت محظوظٌ بالطَّبع لمشهادتك مثل هذا الحدث؛ لكن ما نريدُ تحديدَهُ إن كان هذا الحدثُ نادرًا لدرجة أنَّ أحدًا لم يتوقع حدوثَهُ بالصدفة. ليس الـمُهِمُّ أن تكونَ محظوظا بل أن لا يحصل هذا الشيءُ مع أحدٍ غيرك. ولنحدد فيما إن كنتَ محظوظًا أم لا يجبُ أن نحددَ أولًا عددَ الفرص لحصول هذا الحدث ورؤيتك له. وهذا يتطلَّبُ معرفةَ عدد السيارات في الطريق ومعرفة أنواعها –إن كانت كلُّ السيارات في العالم بونتياك براند جديدة وكلُّها حمراء بأربعة أبواب فمرورها متتالية أمرٌ طبيعيٌّ ولا وجودَ لصدفة تحتاج التفسير لعدم وجود غيرها– كما تتطلَّبُ أيضًا معرفةَ عددِ الأشخاصِ الذين يقفون في زوايا كلِّ الشوارع في العالم في السنة والذين يتوقع أن يروا المرورَ المتتالي لهذه السيارات. يشكِّلُ عددُ فرصِ مشاهدةِ مثل هذا الحدث ما يُعرَفُ بالمعطيات التكرارية. تحدد المعطيات التكرارية احتماليةَ رؤية أي شخص –ليس أنت فقط– لهذا الرتل من السيارات الذي شاهدته.
ولكنَّنا نحتاجُ لمزيد من المحددات لنعرفَ احتماليةَ حصول هذا الحدث بالصدفة. لا شَكَّ أنَّ رؤيةَ 10 سيارات بونتياك جديدة حمراء ذات أربعة أبواب متتالية أمرٌ مفاجئٌ. لكن ماذا لو كانت ببابين؟ وماذا لو كان لونها أزرق؟ ولماذا تكون من نوع بونتياك فقط؟ ماذا لو كانت كلُّها سيارات (هوندا أكورد) أو (فولكسفاكن جيتا). تشيرُ هذه الأسئلةُ إلى محدداتٍ أخرى للحدث تتمثَّلُ في نوع السيارات المتتالية المتماثلة. إنَّ مرورَ هذه السيارات متعاقبةً في الشارع أمرٌ يشدُّ الانتباهَ ويجبُ أخذُ هذا العدد من التحديداتِ في الحسبان لنعرفَ إن كانت هذه المشاهدةُ حصلت بالصدفة. ويشكِّلُ هذا العدد من التحديدات المعطيات التحديدية. تحددُ المعطياتُ التحديديَّةُ احتماليةَ مشاهدةِ أيّ تتالٍ لسيارات من نوع واحد وليس فقط من نوع بونتياك.(6)
إنَّ سردَ التفاصيل الكاملة للتعقيد المحدد أمرٌ شاق ونتركُها لمكان آخر.(7) إلَّا أنَّ الفكرةَ الأساسيَّةَ التي يتضمنها هذا المفهومُ قد أصبحت واضحةً من خلال شرح العناصر الرئيسيَّة الثلاثة التي يتكوَّنُ منها. سنتناول شرحَ هذه العناصر الثلاثة في الفصلين القادمين.
(3) Leslie Orgel, The Origins of Life (New York: Wiley, 1973), 189.
(4) See http://www.mdl-research.org (last accessed November 15, 2006).
(5) على الأرجح ، سيكون هذا التتابع من السيارات المتطابقة حيلة دعائية من قبل الشركة المصنعة للسيارات أو وكالة السيارات المحلية. في هذه الحالة، سيكون هذا التتابع بسبب التصميم وليس الصدفة.
(6) يتم توضيح الرياضيات الفعلية الكامنة وراء الموارد الاحتمالية بشكل أفضل من خلال المثال التالي: تخيل جدارًا كبيرًا به أهداف N غير متداخلة بنفس الحجم مرسومة عليه وأسهم M في جعبتك. لنفترض أن احتمال استئجار أي من هذه الأهداف ، بشكل فردي ، بسهم واحد بالصدفة هو p. إذن، فإن احتمال توظيف أي من أهداف N هذه، بشكل جماعي، بسهم واحد، بالصدفة، يحدده N x p، واحتمال إصابة أي من أهداف N هذه بسهم M واحد على الأقل بالصدفة يحددها M x N x p. في هذه الحالة ، يتوافق عدد موارد التكرار مع M (عدد الأسهم في جعبتك)، وعدد موارد المواصفات يتوافق مع N (عدد الأهداف على الحائط)، والعدد الإجمالي للموارد الاحتمالية يتوافق مع المنتج M x N إلى الدرجة التي يكون فيها احتمال p لحدث معين صغيرًا جدًا بحيث يقترب الرقم M x N x p نفسه من الصفر، يُظهر هذا الحدث تعقيدًا محددًا ويُنسب بشكل صحيح إلى التصميم بدلاً من الصدفة.
(7) William A. Dembski, The Design Inference: Eliminating Chance through Small Probabilities (Cambridge: Cambridge University Press, 1998), chs. 5 and 6. See also Dembski, No Free Lunch, chs. 2 and 3. For the most up to dare formulation of specified complexity, at the time of this writing, see William A. Dembski, "Specification: The Pattern That Signifies Intelligence," typescript, available online at design-inference.com/documents/2005.06.Specification.pdf (last accessed November 15, 2006).