* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (إعادة المحاكمة: القصة الخفية لقضية دوفر) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
لا يمكن دحض حقيقة أن النقاشات الموضوعية حول قضية الذكاء في نشأة الحياة البيولوجية، قد شغلت مكانا لدى علماء على مستوى عال من الكفاءة خلال النصف الأول من الثمانينات، أي قبل الحكم في قضية إدواردز. والتأكد من هذا التاريخ، صار متاحا اليوم للجميع. العديد من البحوث العلمية المستمرة في العلم التاريخي خلال الثمانينات، كان ما يقلقها هو كيفية مواجهة التحديات الفريدة من نوعها لنظرية المعرفة من الناحية التجريبية بطريقة شرعية، وحتى تحظى بتأييد قوي بين صفوف المتخصصين في العلم التاريخي. منذ عام 1980 وحتى عام 1989، ظهر الحس القيادي والمعرفي لـثاكستون بشكل فريد في النقاشات الحادة التي تغذي هذه الأسئلة، وتبحث عن مصطلحات دقيقة للعلم الذي يتضمنه هذا المشروع (مستند 2).
مستند (2) سجل الترتيب الزمني للاجتماعات والمنشورات يشمل ذلك المحاضرات للمنظمات الاحترافية والمقابلات الجامعية مع العلماء والفلاسفة واللاهوتيين ومؤرخي العلوم ومتخصصي أبحاث نشأة الحياة. Theism, Naturalism, and the Origin of Life “Summary and Conclusion” and “Epilogue” in The Mystery of Life’s Origin DNA, Design, and the Origin of Life Origin Science: New Rules, New Tools for the Evolution Debate In Pursuit of Intelligent Causes: Some Historical Background |
لقد أثار من جديد، واحدا من المواضيع المركزية لكتاب اللغز؛ كيف يمكننا معرفة سبب حدث وقع في الماضي، إذا لم يتكرر في الحاضر ولم يتم رصده في الماضي؟ هذا هو الإشكال الذي واجهه المحققون في البحث عن إخضاع الأحداث الفريدة الماضية غير المتكررة –مثل التفاعلات الكيميائية في كوكب الأرض البدائي– للاختبار العلمي. هذا لا يعني أن تجارب المحاكاة قبل الأحيائية Prebiotic Simulation –كتجربة (يوري–ميلر) التي أجراها ستانلي ميلر في الخمسينات– لا قيمة لها. ولكن، كي نكون دقيقين، تلك التجارب لا يمكنها تخطئة النظريات غير الصحيحة.
هذا السؤال الحاسم؛ الدراسة العلمية لأحداث ماضية لم يتم رصدها، والاستنتاجات الحذرة التي يمكن استخلاصها، مع آثارها على تاريخ الحياة ككل، هو ما يلخص مهمة ثاكستون البحثية خلال الثمانينات. لقد بدأ باستعمال المصطلح –كحل مؤقت– الذي اقترحه في خاتمة كتاب اللغز كفرع علمي؛ علم النشأة Origin Science. ثم عاد في النهاية لاستعمال المصطلح الأقدم، والذي كان قيد الاستعمال بالفعل؛ العلم التاريخي، بما فيه من نقص، حيث لم يعد معيار التخطئة التجريبية لأحداث فريدة وغير مشاهدة حدثت في الماضي أداة من أدوات العلم. عوضا عن ذلك، أصبح على المحقق استخدام القياس، فإذا كان قياسا مقنعا موافقا للقناعات الراسخة، فيمكن وقتها استعمال القناعة الراسخة كبديل لمعيار التخطئة المطلق (تركيزنا على عمل ثاكستون هنا، لا نقصد به الحط من شأن العشرات من العقول المتميزة الأخرى، والتي قدمت مساهمات مهمة في هذا الإطار).
في عام 1986، قام ثاكستون بتطوير ورقة بحثية بعنوان (علم النشأة: قواعد جديدة، وأدوات جديدة لمناظرة التطور) للتداول خلال اللقاء السنوي لرابطة العلماء الأمريكيين American Scientific Affiliation في كلية هاوتن في نيويورك (انظر الجدول الزمني في مستند 3). وقد قدمت الورقة مقاربة دقيقة ومتزنة ومنضبطة لنشأة الحياة:
"مع البيانات الجديدة التي وفرتها البيولوجيا الجزيئية، يمكننا أن نجادل الآن لصالح وجود سبب ذكي وراء نشأة الحياة؛ عن طريق قياس شفرة الدنا DNA على اللغة مكتوبة. لاحظ أني لم أقل إنه يمكننا الاحتجاج على الخلق الإلهي للحياة. كثير من الخلقويين يرتكبون خطأ القفز من الحدث الواقع قيد الدراسة، إلى إله الكتاب المقدس مباشرة. انطلاقا من المعطيات العلمية وحدها، يمكننا فقط استنتاج أن التفسير المعقول للحدث هو وجود سبب جوهري. لا يمكننا تعريف ذلك السبب بأبلغ من هذا، لا يمكننا الحسم ما إذا كان؛ ساميا أو باطنيا، إله الكتاب المقدس أو كائن ذكي آخر. لا يمكنني النظر إلى جزيء الدنا والقول إن الإله هو من صنع هذا. ما يمكنني قوله فقط، أنه نظرا لبنية جزيء الدنا، فإنه من المعقول جدًا أن نستنتج أنه صنع من قبل عامل ذكي. ربما يمكننا تعريف ذلك العامل بشكل أكبر اعتمادا على حجج أخرى؛ فلسفية أو لاهوتية، ولكن بالمعطيات العلمية وحدها، لا يمكننا سوى استنتاج وجود السبب الجوهري فقط".(17)
لاحظ أنه استعمل عددا من المصطلحات نحو؛ سبب ذكي، سبب جوهري، كائن ذكي، عامل ذكي. ودعنا نتذكر الترتيب الزمني في رواية القاضي چونز للأحداث، هذا الترتيب الزمني هو المحور الأساس الذي لا غنى عنه في تأكيده على أن مصطلح علم الخلق استبدل بمصطلح التصميم الذكي "بعد قرار المحكمة العليا الهام في قضية إدواردز"(18)، ولاحظ أن ورقة ثاكستون التي ظهرت فيها هذه الفقرة أُلقيت في عام 1986، أي ليس في العام التالي لمحاكمة إدواردز، بل في العام السابق لها. إذن، حوالي عشرين عام قبل دوڤر وعام قبل إدواردز، كان المحرر الأكاديمي لكتاب الباندا والشخصية التوجيهية في خطها الحجاجي، والتعبيري، والكتابي، يوضح تصوره حول أن التصميم في الطبيعة كان حقيقيا، لكن ذلك لم يستتبع بالضرورة القول بالخلقوية أو علم الخلق.
في تحليلهم لحكم القاضي، قام مؤلفو كتاب (التسكع داخل التطور Traipsing into Evolution) بالإخبار عن وثيقة مسجلة في المحكمة ولاحظوا "أن مسودة سابقة لقضية إدواردز ضد آجيولارد تعود لبداية عام 1987، تؤكد على أن (نماذج المعلومات القابلة للملاحظة، لا يمكننا القول من خلالها ما إذا كان الذكاء الذي وراءها طبيعيا أو خارقا للطبيعة، فذاك سؤال لا يستطع العلم الإجابة عليه)".(19)
وبالتالي، فالمزاعم عن تغييرات متسرعة قيل إنها وقعت في مسودات الباندا في أعقاب قضية إدواردز تسقط بالكلية، ويتضح أنها لا تقوم على شيء، كما يؤكد الجدول الزمني (مستند 3).
لنذهب لأبعد من ذلك مع ما وصفه القاضي بالدليل القاطع، ما الذي يمكن إنجازه عبر تغيير عبارة مركزية في الكتاب –مضمونها وكنهها– مع تركها في موضعها؟ ألن يأخذ تحويل سريع لكتاب يرتكز على علم الخلق أكثر من مجرد نثر لكلمات مثل التصميم الذكي أو العامل الذكي بوساطة معالج للنصوص؟ حاول أن تمرر عبارات مثل: (سمكة الدكتور سوس، سمكتيه، سمكته الحمراء، سمكته الزرقاء)، داخل كتاب مدرسي في حساب المثلثات، عن طريق أن تضيف لهم فقط: (جا sin، جتا cosine، ظا tangent). مهما كانت عدد المرات التي ستستخدمها فيها، النتيجة ستكون حتما انتشار تنافر لا يمكن التغلب عليه. بالطبع لا، شيئا آخر سيكون مطلوبا، شيئا جديدا بالكلية، وليس مجرد تغييرات دلالية (نعترف بأن التشبيه فيه مبالغة، ويتجاوز قصدنا ولكن قمنا بإدراجه لكي نلفت الأنظار إلى استحالة تحويل مفهوم ما إلى آخر يختلف عنه جذريا، وتحديدا في جوهره المعرِّف، بمجرد نثر بعض الكلمات).
خلافا لما قرره القاضي چونز من أن الباندا كان في الأصل يروج للخلقوية، تتفق المؤسسة في الواقع مع الأحكام القضائية السابقة التي ضد تدريس الخلقوية الفعلية في المدارس. مثلا؛ خلال فترة الاستئناف الثلاثين يوما، التي تلت حكم محكمة المقاطعة ضد تدريس الخلقوية في قضية (مَكلين ضد آركانساس McLean v. Arkansas)، قمت أنا وتشارلز ثاكستون بملاقاة المحامي العام لولاية آركانساس (ستيف كلارك Steve Clark ) في مكتبه في مدينة ليتل روك، لحثه على عدم استئناف الحكم. كان هذا ببساطة بسبب أن المؤسسة تقر بأن علم الخلق يعزز وجهة نظر دينية لا تلائم المدارس العامة، وأن قرارات المحاكم في المستقبل ستوافق بلا أدنى شك على أنه من غير القانوني الدفاع عنها في المدارس العامة.
(17) Charles B. Thaxton, Origin Science: New Rules, New Tools for the Origins Debate (a paper circulated at the annual meeting of the American Scientific affiliation, Houghton College, Houghton, NY, Aug. 8-11, 1986. To be published).
(18) Kitzmiller v. Dover, 400 f.Supp.2d 707, 722 (M.D. Pa. 2005).
(19) David DeWolf, John West, Casey Luskin, and Jonathan Witt, Traipsing Into Evolution (Seattle: Discovery Institute, 2006), 22-23.