* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (شك داروين: النشوء المفاجئ لحياة الكائنات وحجة التصميم الذكي) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
ما إن سمعت بنجاح دوجلاس أكس في الوصول لتقدير دقيق جدًا لندرة البروتينات حتى تساءلت مباشرة عن ردة فعل أنصار الداروينية الجديدة، ماذا عساهم يقولون بعد هذا العمل الدقيق من الناحية الرياضية والتجريبية، والمنشور في مجلة البيولوجيا الجزيئية Journal of Molecular Biology عام 2004 -الذي استنتج فيه ضآلة احتمال أن تَصِلَ الطفرات والانتقاء لجين مبتكر أو بروتين وظيفي-؟ هل سيقولون إنَّ احتمالية البحث الناجح عن جينات وبروتينات جديدة أعلى ممّا أشارت إليه تجارب أكس؟ أم سيقولون بوجود انحراف في طرائقه البحثية وحساباته، حيث لم يَصِل أحدٌ إلى نتائج مماثلة؟ لقد أكَّد بحث أكس تحاليل وتجارب أخرى، واستطاع هذا البحثُ تجاوز التَّدقيق الفاحص عند مراجعة الأقران، لذا لم تكن أيٌ من هذه الاحتمالات منطقية، إلا أنَّ المدافعين عن كفاية الآليات الداروينية الجديدة كانوا أبعد ما يكون عن إعلان استسلامهم كما سأُبين فيما يلي.
في نفس العام قُمتُ بنشر مقالة علمية ومحكّمة حول الانفجار الكامبري ومشكلة أصل المعلومات البيولوجية المطلوبة لتفسيره1، واستشهدت فيها بنتائج أكس وشَرحت لماذا تُشكّل ندرة البروتينات الوظيفية في فضاء التسلسلات تحديًا كبيرًا لكفاية الآليات الداروينية الجديدة. قد نُشرت الورقة البحثية في مجلة تَهتَمُ بالبيولوجيا، وهي وقائع الجمعية البيولوجية في واشنطن Proceedings of the Biological Society of Washington، التي يُصدرها معهد سميثسونيان، ويقوم عليها علماء يعملون في المتحف الوطني السميثسوني للتاريخ الطبيعي NMNH، حيث أثارت هذه المقالة عاصفة من الجدل لأنَّها تَضمَّنت ذكرًا لنظرية التصميم الذكي، وإمكانية إشراكها في تفسير أصل المعلومات البيولوجية (انظر الفصل 18).
كان علماءُ المتحف وخبراء البيولوجيا التطوُّرية في طول البلاد وعرضها غاضبين من المجلة ورئيس تحريرها ريتشارد ستيرنبرغ، لسماحه بتمرير هذه المقالة ليتمَّ تحكيمها من قبل الأقران ونشرها بعد ذلك. تَبِعَ ذلك اتهامات مضادة، حيث صادر مسؤولو المتحف مفاتيح ستيرنبرغ ومكتبه وحساب وصوله إلى النماذج العلمية scientific samples، وتمَّ نقله من مشرف صديق إلى مشرف عدو. بعد ذلك حقَّقت هيئة لأحد اللجان الفرعية في القضية، ووجدت أنَّ مسؤولي المتحف قد دشنوا حملة معلومات مضلِّلة مقصودة ضد ستيرنبرغ في محاولة لدفعه نحو الاستقالة، وقد روج منتقدوه إشاعات غير صحيحة مثل: (1) "ليس لستيرنبرغ أي درجة علمية في البيولوجيا" بينما هو في الحقيقة حائز على شهادتي دكتوراه PH.D إحداهما في البيولوجيا التطورية والأخرى في بيولوجيا الأنظمة، (2) "هو قسيس وليس عالمًا" بينما هو في الواقع عالم وباحث وليس رجل دين، (3) "إنَّه عضو فاعل في الحزب الجمهوري، ويعمل لصالح حملة جورج بوش" بينما هو في الحقيقة مشغول بالأبحاث العلمية وليس لديه ما يكفي من الوقت للانخراط في الحملات السياسية سواء كانت جمهورية أم غير ذلك، (4) "تلقّى رشوة لينشر هذه المقالة" وهذا غير صحيح، إلى غير ذلك من الإشاعات. في النهاية، ورغم البطلان المؤكد لهذه الاتهامات، تمَّ إنزال رتبته.2
ظهرت عناوين الأخبار التي تتكلَّمُ عن هذا الجدل في مجلات مثل العلم Science، والطبيعة Nature، والعالِم The Scientist، ومجلة وقائع التعليم العالي Chronicle of Higher Educationـ3 ثم ظهرت مقالات أخرى في الصحافة العامة مثل الـ(واشنطن بوست) و(وول ستريت جورنال)4، وأذيع موضوع أساسي منها في الراديو الوطني العمومي5، وظهر ستيرنبرغ بنفسه أيضًا في برنامج The O’Reilly Factor.
ورغم الصخب الشديد، إلا أنَّه لم يَكُن هناك ردٌّ علمي رسمي على المقالة بحد ذاتها يدحضها علميًّا لا في مجلة المحاضر ولا في أي مجلة علمية أخرى، وأصرَّ أعضاء مجلس الجمعية البيولوجية في واشنطن -الذين أشرفوا على نشر المجلة- أنَّهم لا يريدون الإجابة على المقالة؛ لئلا يقوموا بإضفاء طابع الشرعية عليها.
في النهاية، أخذ عالمان مدافعان عن سياسات التعليم العلمي وينتميان للمركز الوطني للتعليم العلمي -وهي مجموعة ضغط تسعى نحو تعليم التطور في المدارس العمومية- زمام المبادرة، وكتب المؤلفون الثلاثة –الجيولوجي Alan Gishlick، ومحامي سياسات التعليم Nicholas Matzke، وعالم بيولوجيا الحياة البرية Wesley R. Elsberry- ردًّا على مقالتي في موقع www.TalkReason.org وهو موقع إلحادي رائد6، رغم أنَّ إرشادات الموقع تَمنعُ المهاجمة الشخصية (مغالطة الشخصنة) إلا أنَّ هذا القانون لم يَكُن لينطبق في حالة الردِّ الذي كتبه هؤلاء، والذي كان بعنوان (وحش ماير الميؤوس منه).
حاول هؤلاء الثلاثة دحض حجتي الأساسية بالاستشهاد بورقة علمية يقولون أنَّها حلَّت مشكلة أصل المعلومات الجينية، وكانت الورقة عبارة عن مراجعة علمية بعنوان (أصل الجينات الجديدة: لمحات من الماضي والحاضر)، ظهرت هذه الورقة في المراجعات الوراثية ضمن مجلة الطبيعة Nature Reviews Genetics لعام 2003، وأكَّد الثلاثة أنَّ هذه الورقة -التي قام بتأليفها عالم البيولوجيا الجزيئية من جامعة شيكاغو Manyuan Long بالمشاركة مع العديد من زملائه- "ممثلة وشاملة للمنشورات العلمية الموثقة حول أصل الجينات الجديدة".7
ردَّد علماءُ بيولوجيا آخرون ادِّعاءات (جيشليك) و(ماتزكي) و(إلسبيري) في سياق جدالات عامة أخرى. وأثناء محكمة كيتزميلر ف. دوفر عام 2005 حول المحاولة البائسة لإلزام المعلمين في مدارس ولاية بنسلفانيا بقراءة بيان حول التصميم الذكي، استشهد البيولوجي من جامعة براون كينيث ميلر بورقة لونغ البحثية هذه في أثناء شهادته، وقال إنَّها تُظهِرُ كيفية تطور المعلومات الجينية الجديدة، واستشهد بعدها القاضي John E. Jones بشهادة ميلر حول مقالة لونغ في حكمه، وجزم القاضي جونز بوجود "أكثر من ثلاثين منشورًا علميًّا محكّمًا يُظهر أصل المعلومات الجينية الجديدة من خلال العمليات التطورية".8 في مكان آخر أعلن ماتزكي وعالم البيولوجيا باول جروس، أنَّ ورقة لونغ البحثية "انتقدت كل العمليات المعتمدة على الطفرات المشاركة في أصل الجينات الجديدة، ثم أدرجت عشرات من الأمثلة، التي قامت فيها المجموعات البحثية ببناء أصول لمثل هذه الجينات"9، وهما يريان أنَّ "العلماء المختصون يعلمون كيف نشأت المعلومات الوراثية الجديدة".10
لكن هل يعلم حقًا خبراء البيولوجيا التطورية ذلك؟ تعالوا نأخذ نظرة أقرب على المقالة التي ادَّعت أنَّها تُظهر "طريقة نشوء المعلومات الجينية الجديدة".11
يُحكى أنَّ مورثة..
تُشيرُ مقالة لونغ، التي غالبًا ما يُستشهد بها، إلى عدة دراسات تهدف إلى شرح تطور جينات متعددة، تبدأ هذه الدراسات في العادة بأخذ جين والبحث بعد ذلك عن جينات أخرى مشابهة أو مناظرة homolog له، ثم تَبحثُ عن تاريخ التغير الطفيف بين الجينتين المتناظرتين رجوعًا إلى الجين -أو الجينات- الموجودة في السلف المشترك المفترض، وللقيام بهذا تبحث الدراسة في قواعد بيانات التسلسلات الجينية؛ للوصول إلى التسلسلات الشبيهة في كائنات من مجموعات تصنيفية مختلفة –من أنواع متقاربة الصلة غالبًا-. تُحاولُ بعض الدراسات أيضًا إثبات وجود الجين السلف المشترك على أساس الجينات المتشابهة ضمن نفس الكائن الحي، وتفترض هذه الدراسات بعد ذلك سيناريوهات تطورية تبدأ بتضاعف الجين المطلوب12، من ثم تُتَابعُ كل نسخة منهما تطورها بشكلٍ مختلف عن الأخرى نتيجة للطفرات التي ستحدث في كل نسخة، وستتضمَّن هذه السيناريوهات فيما يلي أنواعًا متعددة من الطفرات –حوادث التضاعف، خلط الإكسونات، عمليات إعادة التموضع قهقريًا retropositioning، النقل الجانبي lateral للجينات والطفرات النقطية الموافقة- بالإضافة لفعالية الانتقاء الطبيعي. يَفترضُ علماءُ البيولوجيا التطوُّرية القائمون على هذه الدراسات أنَّ الجينات الحديثة تظهر نتيجة للطفرات المتعددة هذه، وهي العمليات التي يرون أنَّها شكَّلت الجينات خلال تاريخ تطوري طويل.
نظرًا لاختلاف المعلومات في الجينات الحديثة -فرضًا- عن المعلومات التي تَحملُها الجينات السلف المفترضة، فإنَّ هذه الدراسات تَعتَبِر آليات الطفرات -التي يُفترض أنَّها مسؤولة عن هذه الاختلافات- تفسيرًا لأصل المعلومات الوراثية.
لكن عند الفحص الدقيق لا نَجِدُ أيًّا من هذه الأوراق المنشورة تُبين كيف قامت الجينات والانتقاء الطبيعي بإيجاد جينات أو بروتينات جديدة بالكلية من فضاء التسلسلات بالمرتبة الأولى، ولا تبين أنّ من المقبول -أو المحتمل منطقيًّا- أن تقوم هذه الآليات بذلك في الوقت المتاح أمامها، كما تفترض هذه الأوراق المنشورة وجود كمية مهمة من المعلومات الجينية المسبقة -الحقيقة أنَّها تَفترض العديد من الجينات الكاملة والمتفردة-، من ثم تَقتَرِحُ آليات متنوعة ربما تكون قامت بالتغيير التدريجي، أو دمج هذه الجينات ببعضها في جينات اندماجية أكبر. تقتفي هذه السيناريوهات في أحسن أحوالها تاريخ الجينات الموجودة مسبقا بدلًا من شرح نشوء الجينات الأصلية نفسها.
يُمكن لهذا النوع من وضع السيناريوهات أن يُشيرَ إلى طرائق بحثية مثمرة إلى حدٍ كبير، إلا أننا سنقع في خطأ واضح لو اعتبرنا السيناريوهات الافتراضية كإثبات لحقيقة أو كتفسير كاف مكتمل. لا تثبت أي من السيناريوهات، التي استشهدت بها ورقة لونغ البحثية، الاحتمالية الرياضية أو التجريبية لآلية الطفرات التي يجزمون بأنها تفسر أصل الجينات، كما أنَّهم لم يلاحظوا بشكلٍ مباشر عمليات الطفرات المفترضة، وهي تَعملُ على التطور. إنما يُقدمون بدلًا عن ذلك –في أحسن الأحوال- بناءً افتراضيًّا مسبقًا لبضعة أحداث تنتج عن سلسلة من العديد من الأحداث المفترضة، بدءا من وجود الجين السلف المشترك المفترض. لكن هذا الجين ذاته لا يُمثلُ نقطة بيانية مؤكدة، بل يُشار له بأنَّه كان موجودًا على أساس التشابه بين جينين آخرين موجودين أو أكثر، وهي القطع الوحيدة الحقيقية للدليل المشاهد، الذي تُبنى عليه غالبًا هذه السيناريوهات الموضحة.
إنَّ اعتماد هذه السيناريوهات على استنتاجات وافتراضات لا يسقطها من الاعتبار بذاتها. مع ذلك، فإنَّ قدرة هذه السيناريوهات على تفسير أصل المعلومات الوراثية بشكلٍ كاف تَعتمدُ على وجود الدليل على الكينونات التي يلمحون إليها -الجينات السلفية-، ومعقولية آليات الطفرات التي يسلمون بها. ولنأخذ نظرة أعمق على كل من طرفي هذه السيناريوهات.
جينات أسلاف مشتركة؟
تبدأ كل السيناريوهات المقدمة في الأوراق التي استشهد بها لونغ بالإشارة إلى جين السلف المشترك الذي يَتشعب، ويتطور منه جينان حديثان أو أكثر، تبحث هذه السيناريوهات تشابه التسلسل (المعلومة) في جينين أو أكثر، كدليل لا لبس فيه على الجين السلف المشترك (الشكل 11-2). كما ذكرت في الفصلين الخامس والسادس، فإنَّ الطرائق النموذجية لإعادة بناء التاريخ التطوري تفترض مسبقًا –بدلاً من أن تُثبت- أنَّ هذا التشابه البيولوجي ناجم عن جينات سلفية مشتركة، مع ذلك -وكما رأينا في الفصل السادس- فإنَّ تشابه التسلسل وحده لا يُشيرُ دائما بشكلٍ قاطع للسلفية المشتركة، حيث تظهر التشابهات أحيانًا بين أنواع لا يُمكنُ تفسير التشابه بينها بالوراثة من سلف مشترك -مثل الأطراف الأمامية المتشابهة للخلد (آكل الحشرات) mole وحشرة الحراشة (صرصار الليل) mole cricket-، فهناك بكل تأكيد تفسيرات محتملة أخرى لهذا التشابه.
أوّلها، ربما تطورت الجينات المتشابهة بصورةٍ مستقلة في خطين سلاليين متوازيين بدءًا من جينين مختلفين، وهذا ما تجزم به فرضية التطور المتقارب convergent evolution. وهناك الكثير من الأمثلة على التطوُّر المتقارب للجينات في منشورات البيولوجيا التطورية والجزيئية13، فعلى سبيل المثال، اكتشف علماءُ البيولوجيا الجزيئية أنَّ كلا من الحيتان والخفافيش تستخدم أنظمة متشابهة لتحديد المواقع من خلال صدى الصوت، حيث تَشملُ جينات وبروتينات متشابهة، وقاد التشابه المذهل بين هذين النظامين المستخدمين في نوعين ثديين متفاوتين إلى اقتراح فكرة (التطور المتقارب) للنظامين من سلف مشترك لا يملك نظامًا مشابها، ويشمل هذا تسلسلات الجينات والبروتينات.14
أضف إلى ذلك، أنَّ من المحتمل أن تكون الجينات المتشابهة مصمَّمة بشكلٍ منفصل في كل كائن لتلبي حاجاته الوظيفية في كيانات حية مختلفة. بالنظر للقضية بهذه الطريقة، فإنَّ تشابه التسلسلات لا يعكس بالضرورة النشوء والارتقاء من سلف مشترك، إنما يعكس التصميمَ المتوافق مع الاعتبارات أو المحددات أو الأهداف الوظيفية المشتركة. أعرف بالتأكيد أنني حتى الآن لم أقدّم أيَّ أسباب مستقلة لأخذ فرضية التصميم بعين الاعتبار، كفرضية تفسر تشابه التسلسلات، لذا ربما تبدو نظرية التصميم الذكي غير مقنعة بعد (لمزيد من الأسباب المقنعة لأخذ نظرية التصميم الذكي بعين الاعتبار انظر الفصول من 17 حتى 19). وبغض النظر عما سبق فقد ذكرت هذه التفسيرات الممكنة الأخرى لتشابه تسلسل الجينات من أجل إيضاح أنَّ تشابه التسلسل لا يشير بالضرورة إلى الجين السلف المشترك.
الجينات ذات إطار القراءة المفتوح
بالتأكيد لن يُمكنَ تفسير بعض الجينات وما تحويه من تسلسلات غنية بالمعلومات، في ضوء تلك السيناريوهات التي ذكرها لونغ في مقالته؛ حيث تحاول كافة هذه السيناريوهات أن تَشرحَ أصل جينين متشابهين بالإشارة إلى النشوء والارتقاء -عبر الطفرات- من جينات سلف مشترك، إلا أن الدراسات الجينومية الأخيرة في العديد من الكائنات الحية المتنوعة تظهر مئات -أو حتى آلاف- الجينات التي لا تدل على أي تشابه جوهري في التسلسل مع أي جين معروف آخر15، وتملأ هذه الجينات المقيَّدة تصنيفيًّا أو ما يعرف بـ(ORFans) -أو الجينات ذات إطار القراءة المفتوح ORF مجهولة المصدر open reading frames of unknown origin- الآن مشهد التاريخ التطوري. تظهر جينات ORFans في كل مجموعة رئيسية من الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات والحيوانات بالإضافة إلى الكائنات وحيدة الخلية حقيقية النوى أو بدائية النوى، وتبلغ في بعض الكائنات الحية ما يُقارب نصف الجينوم.16
بالتالي، فحتى إذا كان يمكن الافتراض أنَّ التسلسلات الجينية المتشابهة تُشير دومًا للجين السلف المشترك، فإنَّ جينات (ORFans) هذه لا يمكن تفسيرها باستخدام سيناريوهاتٍ كتلك التي ذكرها لونغ في مقالته، ونظرا لافتقار تسلسل كل جين ORFans للتشابه مع أي جين آخر معروف –أي ليس لأي منها نظير homolog حتى ولو في الأنواع البعيدة تطوريًّا- فإن من المستحيل معرفة الجين السلف المشترك الذي ربما يكون جين (ORFans) ونظيره (المفقود) قد تطور منه. تذكر أن جينات ORFans وفق تعريفها ليس لها نظائر homologs، وهذه الجينات متفردة –وحيدة من نوعها- وهو ما يعترف به ضمنيًّا أعداد متزايدة من علماء البيولوجيا التطورية، الذين حاولوا تفسير أصل مثل هذه الجينات بالنشوء من العدم de novo -من لا شيء-.
قد يجادل البعض بأنَّ علماء البيولوجيا يضعون خرائط التسلسلات لمزيد من الجينومات يومًا بعد يوم، ويضيفون المزيد من التسلسلات الجينية لقاعدة بيانات البروتينات، وسيتلاشى في النهاية الغموض المصاحب لظاهرة جينات ORFans، لكن مع ذلك، فحتى يومنا هذا تسير الأمور في الاتجاه المعاكس، إذ كلما استكشف العلماء مزيدًا من الجينومات ووضعوا خرائط لها اكتشفوا المزيد والمزيد من جينات ORFans دون أن يجدوا أعدادًا موافقة من الجينات المناظرة لها، بل تزداد أعداد جينات ORFans غير المقترنة بنظائرها، ولا إشارة لانعكاس هذه النزعة في النتائج.17
معقولية العمليات القائمة على الطفرات
حتى لو استطاع علماء البيولوجيا إثبات وجود جينات السلف المشتركة التي تبدأ منها السيناريوهات المتخيلة، فإنَّ هذا لا يعني أنهم قد أثبتوا معقولية إنتاج آليات الداروينية الجديدة للمعلومات الجينية من ذلك السلف. وأيضًا، لكلمة "معقولية" في هذا السياق معنى هام ومحدد من الناحية العلمية والمنهجية، حيث تُظهر الدراسات في فلسفة العلم أنَّ التفسير الناجح في العلوم التاريخية كالبيولوجيا التطورية يَتطلَّبُ توفير تفسيرات "كافية سببيًا" –أي تفسيرات تذكر سببًا أو آلية قادرة على إنتاج التأثير المدروس. يُحاولُ داروين في كتابه أصل الأنواع إظهار نظريته مستوفيةً لهذا الشرط، وهو المعيار الذي يُطلق عليه (السبب الحقيقي vera causa)، فقد سعى داروين في الفصل الثالث –على سبيل المثال- لإثبات الكفاية السببية للانتقاء الطبيعي باستنباط التشابهات بينه وبين عمليات تهجين الحيوانات، باستقراء الأمثلة المُشاهدة على التغيرات التطورية صغيرة النطاق في فترات زمنية قصيرة.
يقوم داروين في هذا المبدأ بإخضاع الاستدلال العلمي الذي استخدمه أحد المشاهير البارزين في علم الجيولوجيا (تشارلز ليل) للاستدلال على أحداث في الماضي السحيق، حيث أصرَّ ليل على أن التفسير الجيد لأصل السمات الجيولوجية يجب أن يذكر "الأسباب العاملة الآن" أي أسبابًا عُرف من التجربة المعاصرة قدرتها على إنتاج التأثيرات المدروسة.18
هل تلبي السيناريوهات التي اعتمدها علماء البيولوجيا التطورية وذكرتها مقالة لونغ هذا المعيار؟ يُشكِّلُ الانتقاء الطبيعي وطفرات التضاعف وغيرها من أنماط التغير العشوائي بالطفرات بكل وضوح "أسبابًا عاملة الآن"، ولا يماري أحد في ذلك. لكن هل ثَبتت قدرة هذه العمليات على إنتاج التأثيرات المطلوبة، أي المعلومات الوراثية الضرورية للابتكارات البنيوية في تاريخ الحياة؟ هناك الكثير من الأسباب الجيدة للتفكير بأنَّها عاجزة عن ذلك.
المصادرة على المطلوب
أولًا، تفترض معظم العمليات المعتمدة على الطفرات التي يتوسلها علماءُ البيولوجيا التطورية في السيناريوهات التي ذكرتها مقالة لونغ وجودًا مسبقًا لكميات مهمة من المعلومات الجينية في جينات أو مقاطع نموذجية من الحمض النووي (DNA) أو الحمض النووي الريبوزي (RNA)، وتُلقي مقالة لونغ الضوء على الآليات السبع للطفرات، والتي تعمل على تشكيل الحمض النووي (DNA) الجديد:
(1) خلط الإكسونات.
(2) تضاعف الجين.
(3) إعادة التموضع قهقريا retropositioning لنسخ من الحمض النووي الريبوزي (RNA) المرسال.
(4) النقل الجانبي للجينات.
(5) نقل الوحدات أو العناصر الجينية المتحركة.
(6) انصهار أو اندماج الجينات.
(7) النشوء من العدم de novo.
تبدأ كل واحدة من هذه الآليات –باستثناء النشوء من العدم- بجينات موجودة سلفًا أو مقاطع جاهزة مطولة من النص الجيني، تكون هذه المعلومات المحددة وظيفيًا -والموجودة سلفًا- كافية في بعض الأحيان لتشفير بناء بروتين كامل أو طيّة بروتينية متميزة. كما أنَّ هذه السيناريوهات لا تفترض مصادر موجودة سلفًا وغير مفسَّرة للمعلومات البيولوجية فقط، بل إنَّها تفترض ذلك دون شرح -أو حتى محاولة شرح- كيف حلَّت أي من هذه الآليات التي يتصورونها مشكلة البحث التوافقي combinatorial search في فضاء التسلسلات، والموصوف في الفصلين التاسع والعاشر. تُظهر لنا النظرة الأقرب لكل واحدة من هذه الآليات، كيف أنَّ السيناريوهات المعتمدة عليها تصادر على المطلوب في كثير من المناحي الهامة حول أصل المعلومات الجينية.
يرى أنصار خلط الإكسونات أنَّ المقاطع النموذجية من الجينوم مرتبة عشوائيًّا، وتُعيد ترتيب نفسها -عشوائيًا كذلك- لتوليد جينات جديدة، وليس هذا ببعيد عن إعادة ترتيب الفقرات ضمن مقالة لتوليد مقالة جديدة. يُشيرُ مصطلح إكسون إلى المناطق المشفرة للبروتينات من الجينوم –وذلك في الجينومات التي تَحوي مناطق مشفرة لبروتينات موزعة في مناطق غير مشفرة-، وتتخلل مناطق الجينوم المشفرة للبروتينات مقاطع أخرى غير مشفرة للبروتينات تُعرف غالبًا بـ(الإنترونات)، التي تقوم بوظائف أخرى؛ كتشفير جزيئات الحمض النووي الريبوزي (RNA) التنظيمية. على أيّة حال، تُخزِّن الإكسونات كميات مهمة من المعلومات المحددة وظيفيًّا والموجودة سلفًا.
رغم أنَّ معظم البروتينات مشفَّرة في العديد من الإكسونات، إلا أنَّ الإكسون الواحد ربما يقوم بتشفير وحدة جوهرية في بنية البروتين -مثل أحد طيات البروتين الوظيفية–، في الحقيقة، يَدَّعي أنصار فكرة خلط الجينات أنَّها تؤيدهم، لأنها تفسر برأيهم ظهور البروتينات الجديدة. ويفترض هؤلاء أن الإكسونات تخضع لخلط عشوائي أعمى لتشكيل جينات جديدة، إلا أنَّ هذه الآلية غير قادرة على إنتاج طيّات بروتينية جديدة، فإما أن يكون الإكسون كبيرًا لدرجةِ أنه يقوم بتشفير طيّة بروتينية موجودة بالفعل -في هذه الحالة ليس هناك خلق للطية الجديدة-، أو يكون صغيرًا جدًا بما يستدعي تشارك عدة إكسونات للوصول إلى طيّة بروتينية ثابتة، وفي هذه الحالة الثانية تظهر بعض العوائق التي تَمنعُ نجاح المهمة –تحديدًا ما يدعى بتنافرات السلاسل الجانبية- كما سنرى.
تفترض سلفًا السيناريوهات التطورية التي تعتمد آليات الطفرات الأخرى وجودَ مصادرَ مهمة للمعلومات الجينية الموجودة مسبقًا، ويشمل تضاعف الجينات –كما يوحي الاسم- إنتاج نسخة مضاعَفة من الجين الموجودة سلفًا تكون غنية بالمعلومات المحددة وظيفيّا. تحدث إعادة تموضع قهقريا Retropositioning للـRNA المرسال لينحشر الـDNA المعاد تشكيله منه في تسلسل DNA الجينوم مجددًا، ممَّا يؤدِّي لتضاعف الجزء المشفِّر من جين موجودة سلفًا، كما يتضمَّن نقل الجينات جانبيًّا نقل جين موجودة سلفًا من كائن حي -جرثوم عادة- إلى جينوم كائن حي آخر.
يَحدث نقل العناصر الجينية المتحركة بالمثل عندما يندرج جين موجودة مسبقًا في طاق حلقي (strand) من الحمض النووي (DNA) يعرف بالبلازميد، الذي يدخل إلى الكائن الحي الآخر ليندمج في الجينوم الجديد، تحدث هذه العملية بشكلٍ أساسي في الكائنات الحية وحيدة الخلية، يُمكن أن تَحدُثَ عملية مشابهة في حقيقيات النوى؛ حيث تقفز عناصر جينية متحركة تعرف بـ(ترانسبوزون transposons)19 -وتعرف أحيانًا بالجينات القافزة- من مكان إلى آخر في الجينوم. ويحدث الاندماج الجيني عندما ترتبط مورثتان موجودتان سلفًا -ويحوي كل منهما معلومات جينية محددة- بعد حادثة حذف للمادة الجينية التي كانت تفصل بينهما.20
تفترض آليات الطفرات الستّ وجودًا سابقًا لوحدات جينية تحوي معلومات جينية محددة، كما تَعتمدُ بعض هذه الآليات أيضًا على وجود سابق لآلات جزيئية معقدة مثل أنزيم الناسخة العكسية reverse transcriptase المستخدم في آلية إعادة التموضع قهقريا retropositioning أو الآلات الخلوية المعقدة الأخرى المشاركة في تضاعف الحمض النووي (DNA)، ولما كان بناء هذه الآلات يَتطلَّبُ مصادر أخرى للمادة الوراثية، فإنَّ السيناريوهات التي تفترض مسبقًا توافر مثل هذه الآلات الجزيئية لتساهم في قَطْع أجزاء وحدة المعلومات المورثية أو تضفيرها splicing أو تموضعها، فإن هذا الافتراض يصادر على المطلوب بكل وضوح.
بشكلٍ عام، ما يُفكر به علماءُ الأحياء التطورية، يشبه محاولة إنتاج كتاب جديد بنسخ صفحات كتاب سابق -تضاعف الجينات، والنقل الجانبي للجينات، وانتقال العناصر الجينية المتحركة-، وإعادة ترتيب مقاطع النص في كل صفحة -خلط الإكسونات وإعادة التموضع قهقريا واندماج الجينات-، وإدخال أخطاء عشوائية في الكلمات على مستوى الأحرف في كل جزء من النص -الطفرات النقطية-، من ثم إعادة الترتيب العشوائي للصفحات الجديدة. والواضح أنَّ التغيرات العشوائية وإعادة الترتيب العشوائي لا يملكان أي فرصة واقعية لتوليد رائعة أدبية متميزة، ولا حتى توليد نص مترابط، يعني هذا أنَّه من المستبعد أن تولد هذه العمليات ترتيبًا وتسلسلًا محددًا، ولن تُحَل مشكلة البحث المُركّب في فضاء التسلسلات. على أي حال، تصادر كل تلك السيناريوهات على المطلوب، إذ أنَّ هناك فرق كبير بين الخلط أو التغيير التدريجي لنماذج التسلسلات الوظيفية الموجودة سلفًا -والحاوية على معلومات محددة-، وبين تفسير كيفية ظهور هذه النماذج وامتلاكها لتسلسلات غنية بالمعلومات في المقام الأول.
أهو تطور من العدم؟
الحقيقة أنَّ لونغ ذكر نمطًا واحدًا على الأقل من الطفرات التي لا تفترض وجودًا مسبقًا للمعلومات الوراثية، إنَّه نشوء الجينات الجديدة من العدم. مثلًا، تطلَّعت إحدى الأوراق التي أدرجها لونغ في مقالته، لتفسير أصل منطقة المعزاز promoter لإحدى الجينات -وهو جزء من الجين يُساعد على بدء انتساخ تعليمات الجين إلى الحمض النووي الريبوزي (RNA)- وانتهت إلى أنَّ "هذا المكان التنظيمي غير الاعتيادي لم يتطور بما تعنيه كلمة تطور حرفيّا. بل ذكرت بدلًا من ذلك أنَّها: "تسلسلات بدائية ظهرت من العدم بالتموضع المتجاور للتسلسلات المناسبة بمحض الصدفة".21
توظف أوراق بحثية أخرى فكرة نشوء الجينات من العدم، إذ يذكر لونغ مثلًا دراسة تَسعى لتفسير أصل البروتين المضاد للتجمد في أسماك قارة القطب الجنوبي (أنتاركتيكا)، فاقتطع عبارة تقول أنَّ ما حدث هو: "تضخيم تسلسل قصير من الحمض النووي (DNA) لإنتاج بروتين جديد ذي وظيفة جديدة".22 كذلك استشهد لونغ بمقالة نشرت في مجلة Science ليفسر أصل مورثتين بشريتين مشاركتين في النمو العصبي عند الجنين، حيث عزت تلك المقالة أصلهما "لنشوء وحداتها البنائية من العدم، وهي جينات مفردة أو قطع مورثية تشفر ميادين domains البروتين"، حيث نشأ إكسون "تلقائيًّا من تسلسل فريد غير مشفر"23، وتلجأ أوراق بحثية أخرى لأحكام مماثلة، إذ ذكرت إحدى المنشورات العلمية عام 2009 "نشوءًا من العدم لثلاث جينات بشرية على الأقل مشفرة لبروتينات منذ أن انفصل البشر عن الشمبانزي"؛ حيث لم يكن أي منهما مالكًا لتسلسلات مناظرة مشفرة للبروتين في مناطق أخرى من الجينوم.24 أعلنت نشرة علمية أحدث في مجلة PLoS Genetics أنَّ: "60 جينًا مشفرًا لبروتينات جديدة نشأ من العدم في السلالة البشرية منذ أن انفصل البشر عن الشمبانزي"25 وهذا تقدير أعلى بكثير من التقديرات السابقة المتواضعة والمتحفظة باعتراف الجميع.26
كما نُشرت ورقة أخرى عام 2009 في مجلة أبحاث الجينوم Genome Research بعنوان ملائم (الخيمياء الداروينية: جينات البشر انطلاقًا من RNA غير مشفر)، وحقَّقت هذه الورقة في نشوء الجينات من العدم، جاء فيها: "إنَّ ظهور جينات وظيفية كاملة -تنتج بروتينات وظيفية ولها معززات promoters خاصة بها وإطار قراءة مفتوحة ORF لكل منها- من الحمض النووي (DNA) الخردة يبدو بعيد الاحتمال للغاية، يقارب احتمال تحول الرصاص إلى ذهب، وهو ما كان يبحث عنه خيميائيو القرون الوسطى".27 إلا أنَّ المقالة ألمحت إلى أنَّ "التطور بالانتقاء الطبيعي سيقوم بتشكيل عناصر جديدة كليًا من الحمض النووي (DNA) غير الوظيفي ظاهريًا، وهي العملية التي يحوّل بها التطور الجزيئي الرصاص إلى ذهب".28
أجبَر وجود تسلسلات جينية متفردة الباحثين على استدعاء فكرة نشوء الجينات من العدم أكثر من الحد الذي يرغبون به، فبعد أن ذكرت دراسة على ذباب الفاكهة أنَّ "قرابة 12% من الجينات الجديدة ربما تكون ظهرت في جماعات ذبابة الفاكهة سوداء البطن Drosophila melanogaster بالنشوء من العدم؛ من تسلسلات الحمض النووي (DNA) غير المشفر"29 يَمضي المؤلف أبعد من ذلك ليعترف بأنَّ استدعاء هذه الآلية يَنطوي على مشكلةٍ عويصة للنظرية التطورية، لأنَّها لا تَشرحُ حقًا أصل أي من المتطلبات الجذرية للوظيفة.30 يَقترحُ المؤلفُ أنَّ (التكيف المسبق preadaptation) ربما لعب دورًا ما في القضية، لكن هذا لا يضيف شيئا مهما للتفسير؛ لأنَّه يُحدد فقط الزمان -قبل أن يَلعبَ الانتقاء دورًا- والمكان -في الحمض النووي (DNA) غير المشفر-، ولا يُفسِّرُ كيف ظهرت هذه الجينات أول مرة. ليس هناك أي تفاصيل تَشرحُ كيفية ظهور الجينات "المتكيفة سلفًا" مع وظيفة مستقبلية، والواقع يقول إنَّ علماء البيولوجيا التطورية يستخدمون مصطلح النشوء من العدم لوصف الزيادة غير المفسرة في المعلومات الجينية، ولا يشيرون إلى أيّة عملية معروفة للطفرات.
نلخص هنا ما سبق: إنَّ العديد من العمليات المعتمدة على الطفرات، والتي ذكرها لونغ في مقالته إما أن تكون:
(1) تصادر على المطلوب بما يَخصُّ أصل المعلومات المحددة المتضمَّنة في الجينات أو أجزاء الجينات.
(2) تستدعي قفزات من العدم غير مفسرة بتاتًا؛ إذ هي بالأساس خلقٌ تطوري من العدم.
لذا نجد في النهاية أنَّ السيناريوهات المذكورة في مقالة لونغ لا تَشرحُ أصل المعلومات المحددة في الجينات أو أجزائها، بل قد يَتَطلَّبُ هذا مسببًا قادرًا على حل مشكلة التضخم التوافقي المذكورة في الفصول السابقة. لكن أيًّا من السيناريوهات التي ناقشتها مقالة لونغ لم تذكر هذه المشكلة، ناهيك عن إظهار المعقولية الرياضية للآليات المذكورة، مع ذلك نَجِدُ أنَّ كلًا من (غيشليك) و(ماتزكه) و(إلسبري) قد استشهدوا أصالة بمقالة لونغ كدحض حاسم لمقالتي -والتي جادلت فيها بأنَّ ندرة الجينات والبروتينات في فضاء الاحتمالات تُلقي شكوكًا على قدرة (الانتقاء) و(الطفرات) على توليد المعلومات الجينية الجديدة-. أدلى الأستاذ ميلر بشهادته في محكمة دوفر الشهيرة، وأقنع القاضي الفدرالي بالحكم بنجاح لونغ في إظهار كيفية نشوء المعلومات الجينية، وهو الحكم القضائي المشهور، لكن من الواضح أن أحدًا لا يَستطيعُ حلَّ معضلة أو تفنيد حجة بمجرد الفشل في تعريفها.31
الطيّات البروتينية: سيناريوهات معقولة لكنّها غير ذات صلة بالقضية
هنالك مشكلة أخرى ذات علاقة وثيقة بالسيناريوهات التي ذكرها لونغ في مقالته، إذ أن هذه السيناريوهات لا تُحاولُ تفسير أصل الطيَّات البروتينية الجديدة، وقليل منها من يقوم بتحليل جينات متباينة كثيرًا عن بعضها لدرجة أن تكون منتجاتها البروتينية –ربما- ممثلة لطيات مختلفة، إذ تحاول هذه السيناريوهات عادةً أن تَشرحَ أصل الجينات المتناظرة homologous، وهي الجينات التي تنتج بروتينات ذات طيَّات بنيوية متشابهة وتقوم بنفس الوظيفة، أو أنها قريبة جدًا من بعضها.
على سبيل المثال، يَذكر لونغ دراسة تقارن مورثتي RNASE1 وRNASE1B واللتين تشفران لأنزيمين هاضمين متناظرين.32 يَقوم البروتينان بنفس المهمة تقريبا: تحطيم جزيئات الحمض النووي الريبوزي (RNA) في السبيل الهضمي عند قرود colobine الآكلة لأوراق النباتات، لكنْ هناك فرق محسوس في درجة الحموضة المثلى التي يَعملُ فيها كل منهما، والأهم من ذلك أنَّ تسلسلات الحموض الأمينية لهذين البروتينين متطابقة بنسبة 93%، ويتوقَّعُ علماءُ البيولوجيا البنيوية أنَّ كلا الأنزيمين يَستخدمُ نفس الطيَّة البروتينية؛ لتحقيق المهام المنوطة بكل منهما.
كما أشار لونغ إلى دراسة مرجعية حول جين يشفر لأحد بروتينات الهيستونات Cid، في نوعين قريبين تطوريًا من ذبابات الفاكهة (ذبابة الفاكهة سوداء البطن Drosophila melanogaster) وقريبتها (Drosophila simulans). لا تحاول الدراسة تَفسير أصل الجين، بل إنَّها فقط قارنت الجين في كل من النوعين وسردت بعض الفروق الثانوية بينهما، ثم تساءلت عن كيفية ظهور هذه الفروق، وحددت قرابة دزينتين من الفروق في النكليوتيدات في جين Cid بين كلا النوعين، منها 17 فقط سبَّبت تغيرًا في حمض أميني في تسلسل من 226 حمض أميني في بروتين Cidـ33 لن يؤدي هذا الفرق الضئيل (7.5 %) غالبًا لظهور طيَّات بروتينية جديدة، ويقول الواقع أنَّ التسلسلات الطبيعية المعروفة بامتلاكها طيَّات مختلفة لا تكون متطابقة بنسبة 92.5% على الإطلاق، بل إنَّ التسلسلات الطبيعية المعروفة بهذه الدرجة العالية من التطابق تملك نفس الطيَّات.
ذكر لونغ أيضًا، دراستين أخريين حول جين FOXP2، الذي يَعملُ في تنظيم التعبير الجيني عند البشر والشمبانزي والرئيسيات الأخرى والثدييات. يلعب هذا الجين دورًا في نماء الدماغ عند البشر وبقية الثدييات34، مع ذلك تقول إحدى الدراسات أنَّ البروتين الذي يشفره هذا الجين عند البشر قد خضع لتغير حمضين أمينيين في السلالة البشرية35 خلال كامل عمره التطوري من السلف المشترك للشمبانزي والبشر. ونقول هنا مرة أخرى، أنَّ هذا العمر غير كاف لتوليد طيَّات بروتينية جديدة.
ذكرت مراجعة لونغ عددًا كبيرًا من سيناريوهات شبيهة –السيناريوهات التي تَسعى لتفسير تطوُّر التغايرات variants الجينية الطفيفة وبروتيناتها المتشابهة-، وليس نشوء الطيَّات البروتينية الجديدة. هذا فارق هام؛ لأن الطيَّات البروتينية الجديدة -كما رأينا في الفصل العاشر- تمثل الوحدة الانتقائية الأصغر للابتكارات البنيوية، وتَعتمِدُ عليها الابتكارات البنيوية الأكبر منها الموجودة في تاريخ الحياة. يتطلب تفسير أصل الابتكارات البنيوية أكثر من مجرد تفسير أصل الأشكال المتغايرة من نفس الجين والبروتين، أو حتى أصل الجينات الجديدة القادرة على تشفير الوظائف البروتينية الجديدة، إنه يتطلب إنتاج معلومات جينية كافية –جينات جديدة حقًا- لإنتاج طيَّات بروتينية جديدة.
لذا، حتى في الحالات التي تكون فيها هذه السيناريوهات معقولة، فإنها لا تكون ذات صلة بقضية نشوء المعلومات الوراثية الضرورية لإنتاج هذا النمط من الابتكارات البنيوية التي تحدث في الانفجار الكامبري -أو العديد من الأحداث الأخرى في تاريخ الحياة-.
الطيّات البروتينية: سيناريوهات ذات صلة بالقضية، لكنها غير معقولة
في بضعة حالات تبدو السيناريوهات التطوُّرية المذكورة في مقالة لونغ كأنها محاولات لتفسير الجينات المتباينة عن بعضها نوعًا ما، وأنَّها قادرة وبشكلٍ معقول على تشفير بروتينات تملك طيَّات متباينة. فعلى سبيل المثال، يُناقش لونغ الأوراق البحثية المتعددة، التي تساوي بين خلط الإكسونات وخلط الميادين البروتينية shuffling of protein domains. تذكّرْ أنَّ الميدان البروتيني هو بنية -أو طيَّة- بروتينية فراغية ثالثية مصنوعة من عدة بنى ثانوية أصغر كحلزّات ألفا أو صفائح بيتا (الشكل 10-2). تملك العديد من البروتينات ميادين كثيرة، لكل منها بنية ثالثية أو تطوي فريد. يفترض أحد أشكال فرضية خلط الإكسونات أنَّ كل إكسون يشفر لميدان بروتيني محدد، وترى أنَّ القص والتضفير splicing العشوائي -الاستئصال excising والخلط وإعادة التأشيب recombination- للإكسونات من الجينوم سيؤدِّي إلى إعادة ترتيب مقاطع المعلومات الجينية. يشفر الجين الناتج المركب لبنية بروتينية جديدة. وكما يفترض لونغ: "يعيد خلط الإكسونات -وهو ما يعرف أيضًا بخلط الميادين- تأشيب التسلسلات التي تشفر للعديد من الميادين البروتينية لإنتاج بروتينات فسيفسائية".36
ربما توفِّرُ آلية خلط الإكسونات -والفكرة المشابهة التي تقول بالاندماج الجيني- من بين الآليات التي ناقشها لونغ في مقالته الطريقةَ الأكثر معقولية لتوليد بروتينات جديدة (مركبة composite).37 إلا أنَّ قدرة خلط الإكسونات على تفسير أصل المعلومات الوراثية الضرورية لإنتاج طيَّات بروتينية جديدة -أو بروتينات كاملة مركبة- تطرح إشكاليات لعدة أسباب.
أولًا، يبدو أنَّ فرضية خلط الإكسونات تفترض أن كل إكسون -متورط في العملية- يشفر لميدان بروتيني ينطوي في بنية فراغية ثالثية مميزة، ويرى علماءُ البروتينات أنَّ الميدان البروتيني مساو للطيّة البروتينية، رغم احتمالية أن تتكون البُنى البروتينية المتميزة –الطيات- من عدة ميادين -أو طيات- أصغر. لذا فإنَّ فرضية خلط الإكسونات تفترض سلفًا –على أقل تقدير- وجود معلومات كافية لبناء ميدان بروتيني -أو طية- مستقلة. لذلك فإنَّها تَفشلُ في تفسير أصل الطيَّات البروتينية والمعلومات الضرورية لإنتاجها.
لكن قد يستخدم بعض أنصار خلط الإكسونات مصطلح (الميدان البروتيني) بطريقة أكثر غموضا، إذ ربما يساوون بين الميادين والوحدات البنيوية الأصغر كشدف الطيَّات المصنوعة من وحدات متعددة من البنى الثانوية كحلزات ألفا alpha helices أو صفائح بيتا beta strands، وعند النظر من هذه الزاوية نجد أنَّ فرضية خلط الإكسونات تستلزم بناء بنية بروتينية جديدة بدمج هذه الشدف الأصغر.
لكن في معظم الأحيان، إن قُطّعت سلاسل الحموض الأمينية المشكلة للميدان إلى شدف، فإنها لن تعود للاجتماع كما كانت بشكلها الأصلي، لكن لماذا؟ لأنَّ الشكل ثلاثي الأبعاد لمقطع بروتيني صغير معتمد بشدة على البنية الكلية للبروتين وشكله الكامل. خذ قطعة أو شدفة من البروتين أو اصنع تلك الشدفة، فسوف ينتج لديك سلسلة أمينية مرنة –أي فقدت شكلها الأصلي أو قدرتها على تشكيل بنية ثابتة-. لذا فإنَّ هذا الشكل من فرضية (خلط الإكسونات) لا يَملكُ مصداقية؛ لأنَّه يَفترضُ خطأً أنَّ شدف البروتين فاقدة البنية الفراغية قادرة على الاختلاط بشكلٍ صحيح، وكأنَّها وحدات بناء لتشكيل طيات فراغية وظيفية جديدة وثابتة. أضف إلى ذلك، أنَّه حتى وإن كان هذا الخلط المادي معقولًا فإنَّ هذا الشكل من الفرضية سيواجه مشكلة أخرى، إذ إنَّه ما يزال يفترض سلفًا وجود معلومات وراثية غير مفسرة، وتحديدًا المعلومات الضرورية، التي لا تَصِفُ الشدف الصغيرة فقط، إنما أيضًا تلك المطلوبة لترتيب هذه الوحدات الصغيرة في طيَّات ثابتة، وصولًا إلى بروتينات وظيفية في النهاية.
ثانيًا، تَعْتبرُ فرضية خلط الإكسونات أنَّ أطراف الإكسون تتوافق مع حدود الميادين أو الطيَّات البروتينية، لأنها تفترض أنَّ كل إكسون يَخضعُ لعملية (الخلط) يشفرُ لميدان بروتيني محدد، ففي الجينات الموجودة لا تتوافق حدود الإكسون نمطيًّا مع حدود الميادين المنطوية في البروتينات الكبيرة.38 لو فسَّر خلط الإكسونات كيف ظهرت البروتينات الحقيقية إلى الوجود، عندها سيكون لزاما أيضا أن تتوافق حدود الإكسون ضمن الجينات مع الميادين البروتينية في البنى المركبة الكبيرة -البروتينات الكاملة-، ويقترح غياب هذا التوافق أن خلط الإكسونات لا يفسِّرُ أصل البنى البروتينية المركبة المعروفة.
ثالثًا، هناك سبب آخر للاعتقاد بأنَّه من غير المقبول عقليًّا الاعتماد على خلط الإكسونات لترقيع الطيَّات البروتينية في بروتين جديد من وحدات بنيوية بروتينية أصغر، ولنعرف ما هو هذا السبب، فإننا نحتاج لاختبار ماهية السلسلة الجانبية side chain. تملك الحموض الأمينية العشرون المشكِّلة للبروتينات عمودًا فقريًا مشتركًا مؤلفًا من الآزوت والكربون والأوكسجين، لكن كل واحدة منها تملك مجموعة كيميائية مختلفة تعرف بالسلسلة الجانبية والتي تشكل نتوءًا قائم الزاوية على ذلك العمود الفقري. تحدد التآثرات بين السلاسل الجانبية فيما إذا كانت وحدات البنية البروتينية الثانوية المصنوعة من سلاسل الحموض الأمينية ستندرج في طيات ثلاثية الأبعاد ثابتة وكبيرة.39 ورغم توليد العديد من التسلسلات المختلفة لِبنًى ثانوية -حلزات ألفا وصفائح بيتا- إلا أن توليد طيات ثابتة أصعب بكثير، ويتطلب الكثير من النوعية specificity في ترتيب الحموض الأمينية وسلاسلها الجانبية. تحديدًا، تكون العناصر في الوحدات البنيوية الثانوية الصغيرة في البروتين محاطة بالسلاسل الجانبية، لذا فإنَّها لا تتمكن من التراكب في طيات جديدة إلا في حال كانت لهذه العناصر سلاسل جانبية نوعية تكمل بعضها البعض40، يعني هذا أنَّ الوحدات البنيوية الثانوية الأصغر نادرًا ما تندمج مع بعضها لتشكيل طيَّات أو بنى ثلاثية ثابتة. كذلك فإنَّ محاولات تشكيل طيات جديدة من وحدات بنيوية أصغر، تواجه دومًا تآثرات متنافرة بين السلاسل الجانبية للحموض الأمينية، بين وحدات البنية الثانوية.
إنَّ الحاجة للنوعية الشديدة في الترتيب التسلسلي للحموض الأمينية -الذي ناقشناه في الفصل السابق- يعني أنَّ الغالبية الساحقة من حالات دمج تسلسلات الحموض الأمينية –على مستوى البنية الثانوية- لن تَصِلَ إلى طيَّات ثابتة. وكما ناقشنا في الفصل العاشر، فإنَّ الندرة الشديدة للبروتينات الوظيفية (ذات الطيَّات الثابتة) في فضاء التسلسلات يَضمَنُ أن تكون الاحتمالية ضئيلة للغاية لإيجاد تسلسل صحيح يَجعلُ من الطيَّة ثابتة. لهذا السبب يكافح أكثر علماء البروتينات مهارة من أجل تصميم تسلسلات تنتج طيات بروتينية ثابتة.42 تكاد تكون كل وحدات البنية الثانوية التي تحاول الانخراط مع غيرها في بنًى مركبة ثابتة غير قادرة على التطوي بسبب التآثرات بين السلاسل الجانبية للحموض الأمينية.43 وقد فسرت ذلك المختصة بالبيولوجيا الجزيئية آن غوجر بقولها: "لذا، فإنَّ حلزات ألفا وصفائح بيتا هي عناصر بنيوية معتمدة على تسلسلها ضمن الطيَّات البروتينية، فلا يمكن تبديل مواقعها كقطع لعبة تركيبية (ليغو)".44
كما أنَّ من الصعب إيجاد تسلسلات مختلفة من الحموض الأمينية في الوحدات البنيوية الثانوية تقوم بتثبيت الطيات، يرجع ذلك للندرة الشديدة للتسلسلات الوظيفية –والمطوية- ضمن فضاء تسلسلات الحموض الأمينية. يتطلب توليد تسلسلات نوعية تنطوي في بنى ثابتة -سواء في المختبر أو في تاريخ الحياة- حلَّ مشكلة التضخم التوافقي، بل حتى الطيات الصغيرة تَتطلَّبُ خمس أو ست وحدات بنيوية ثانوية مؤلفة من 10 حموض أمينية أو قريبًا من ذلك -أي حوالي 60 أو أكثر من الحموض الأمينية المرتبة بدقَّة-. تحتاج الطيات صغيرة الحجم دزينة أو أكثر من الوحدات البنيوية الثانوية وقرابة 150 إلى 200 حمض أميني مرتبة لتثبيت الطية، وتحتاج الطيات الأكبر عددا أكبر من الوحدات البنيوية الثانوية والحموض الأمينية المرتبة بشكلٍ نوعي. على أية حال، تتطلب العديد من الوظائف التي لا غنى عنها لتقوم أبسط خلية بمهامها العديد من الطيَّات -150 حمض أميني على الأقل- تَعملُ مع بعضها بتناغم تام، لذلك لا يمكن تجنب الحاجة لإنتاج بروتينات بهذا الطول على الأقل مرات كثيرة عبر تاريخ الحياة.
يتطلب كل هذا بحثًا عن إبرة الوظيفة في كومة ضخمة من قش الاحتمالات التبادلية. تذكّرْ أنَّ (دوغلاس أكس) قيم نسبة إبر (التسلسلات الوظيفية) في عيدان القش في كومة (التسلسلات غير الوظيفية) بـ1 إلى 10 77 من التسلسلات القصيرة -150 حمض أميني-.
من المؤكَّد في التسلسلات التي تنشأ طبيعيًا أنَّ التآثرات بين السلاسل الجانبية في وحدات بنية الثانوية تحافظ حقًا على الطيات ثابتة، لكن هذه البروتينات ذات البنى المنطوية ثلاثية الأبعاد تعتمد على تسلسلات شديدة الندرة ودقيقة الترتيب من الحموض الأمينية. والسؤال هنا ليس فيما إن كانت مشكلة (البحث التبادلي) الضرورية لإنتاج طيَّات بروتينية ثابتة قد حلت أو لا، إنَّما فيما إن كانت آليات الداروينية الحديثة المعتمدة على الطفرات العشوائية -الخلط العشوائي للإكسونات في هذه الحالة- توفِّر تفسيرًا معقولًا لكيفية حل هذه المشكلة.
لا تُعطي الأوراق البحثية التي استشهد بها لونغ في مراجعته أي سبب للتفكير بأنَّ خلط الإكسونات -أو أيّة آلية أخرى معتمدة على الطفرات- قد حل هذه المشكلة. تتجاهل فرضية خلط الإكسونات الحاجة لنوعية السلاسل الجانبية، رغم أنَّ الحاجة لمثل هذه النوعية قد أفشل مرارًا المحاولات المختبرية لتصنيع بروتينات جديدة من وحدات البنى الثانوية بالطريقة المطلوبة.
لكنّ مناصري خلط الإكسونات لا يقومون بأية محاولة لإظهار كيف أن إعادة ترتيب الميادين البروتينية –سواء اعتبرنا الميادين أجزاء من الطيَّات أم طيات كاملة- سيحل المشكلة التبادلية، ولا يواجهون تقديرات (ساور) أو (أكس) التجريبية الكمية حول ندرة الجينات أو البروتينات الوظيفية، ولا يواجهون حسابات الاحتمالية المبنية على هذه التقديرات. كذلك لا يظهرون وجود آلية قادرة على البحث في فضاء تسلسلات الحموض الأمينية بفعالية وكفاءة أكبر من الطفرات العشوائية والانتقاء، ولا يثبتون فعالية خلط الإكسونات في نظام تجريبي في المختبر. بل على العكس تمامًا، تقتضي الاعتبارات الأساسية لبنية البروتين لامعقولية كون خلط الإكسونات هي طريقة توليد المعلومات الجينية الضرورية لإنتاج طيَّة بروتينية جديدة.45 لذا يصرُّ مناصرو خلط الإكسونات في النهاية بكلمات قليلة، وثقة ظاهرة –كما فعل لونغ في مراجعته- أنَّ خلط الإكسونات يُعيد غالبًا ترتيب التسلسلات التي تشفر للعديد من الميادين البروتينية لخلق بروتينات فسيفسائية.
سَلَطَة
يشوش تأكيد لونغ وزملائه على خلط الإكسونات -كالعديد من العبارات الأخرى حول الآليات المفترضة المعتمدة على الطفرات– التمييز بين النظرية والدليل. وبصرف النظر عن النبرة السلطوية في مثل هذه العبارات، إلا أنَّ علماءَ البيولوجيا التطورية نادرًا ما يلاحظون بشكلٍ مباشر العمليات المعتمدة على الطفرات التي يتخيلونها، لكنهم يَرون نماذج تشابُهٍ وتبايُنٍ في الجينات، من ثم يعزونها للعملية التي يفترضونها. إلا أنَّ الأوراق البحثية التي يَستشهدُ بها لونغ لا توفِّرُ إثباتًا رياضيّا، ولا دليلًا تجريبيًّا لقدرة هذه الآليات على إحداث زيادة مهمة في المعلومات الوراثية.
بغياب هذه الإثباتات يَستمرُ علماء البيولوجيا التطورية بعرض ما سماه أحد البيولوجيين الذين أعرفهم بـ"سَّلَطَة الكلمات"؛ وهو اصطلاح يعني أنَّهم يعرضون أوصافًا مبهمة لأحداث الماضي غير المنظور، ربما يكون بعضها ممكنًا، لكنّ أيًّا منها لا يَملكُ قدرة مثبتة على توليد المعلومات الضرورية لإنتاج أشكال جديدة من الحياة. يتخيل هذا الضرب من المنشورات التطورية الإكسونات وكأن:
• جينات أخرى "تسخِّرها"46، و/أو "تتبرع بها".47
• تأتي من "مصادر مجهولة".48
• تلجأ لـ"إعادة بناء مكثفة"49 للجينات.
• تعزو "التجاور التصادفي المناسب للتسلسلات"50 للطفرات أو لـ "الاستحواذ التصادفي"51 على عناصر المعزاز promoter.
• تفترض أن "التغيرات الجذرية في بنية الجين راجعة للتطور السريع التكيفي".52
• تؤكد على أن "الانتقاء الإيجابي لعب دورًا مهمًا في تطور الجينات"53، حتى في الحالات التي تكون فيها وظيفة الجين المدروسة -وبالتالي الصفة التي يتم انتقاؤها- مجهولة كليًا.54
• تتخيل الجينات نتيجة اجتماعها مع بعضها من قطع DNA ليس لها أي وظائف مترابطة -أو ليس لها أي وظيفة بتاتًا-.55
• تفترض "خلق" إكسونات جديدة من تسلسلات جينومية متفردة غير مشفرة تطورت بالصدفة.56
• تلجأ لفكرة "الاندماج الخيمري chimeric لمورثتين".57
• تفسر البروتينات "شبه المتطابقة"58 في سلالات تطورية متفاوتة بكونها "حالة صادمة من التطور المتقارب".59
• عند انعدام القدرة على تحديد أي مصدر مادي لتطور جين جديد فإنها تصرُّ على أنَّ "الجينات تظهر وتتطور بسرعة، بما يولد نسخًا تحمل تشابها قليلًا بأسلافها السابقة، لأنَّها قابلة للتطفر العالي hypermutable على ما يبدو".60
• وفي النهاية، عندما يَفشلُ كل شيء، تستدعي هذه السيناريوهات "النشوء من العدم" للجينات الجديدة، كما لو أن تلك العبارة تختلف عن أي شيء مما ذكره الآخرون، كأنها مبنية على إثباتات علمية لقوة الآليات المعتمدة على الطفرات في إنتاج كميات مهمة من المعلومات الجينية الجديدة.61
لا تشابه هذه الروايات الغامضة شيئا أكثر من مشابهتها لألعاب الفلاسفة اللاهوتيين في العصور الوسطى:
• لمَ يَدفع الأفيون الناس للنوم؟ لاحتوائه على روح منومة.
• ما الذي يُسبِّبُ تطور الجينات بسرعة كبيرة؟ قدرتها العالية على التطفر، أو ربما لخضوعها لتطور تكيفي سريع.
• كيف نفسر أصل مورثتين متشابهتين في سلالتين منفصلتين متباينتين للغاية؟ إنه التطور المتقارب بالطبع.
• ما هو التطور المتقارب؟ هو وجود مورثتين متشابهتين في سلالتين منفصلتين متباينتين للغاية.
• كيف يحدث التطور المتقارب إن علمنا ضآلة احتمال وجود واحد من الجينات الوظيفية في فضاء التسلسلات الاحتمالي، ناهيك عن ظهور نفس الجين مرتين بشكلٍ مستقل؟ لا يعرف أحد ذلك على وجه الدقَّة، لكن ربما كان "التجاور التصادفي المناسب للتسلسلات" أو "الانتقاء الإيجابي" أو "النشوء من العدم".
• هل تريد تفسير وجود مورثتين متشابهتين في سلالتين قريبتين تطوريًّا؟ جرب "تضاعف الجين" أو "الاندماج المورثي الخيمري" أو "إعادة التموضع قهقريا" أو "إعادة الترتيب المكثفة للجينوم" أو.. أي تراكيب كلامية أخرى بظاهر علمي خادع.
تَطرحُ هذه السيناريوهات الغامضة أسئلة جدية حول قدرة العلماء على اعتبارها إثباتات أو نواقض حاسمة على أي شيء، ناهيك عن وجود دحض مبني على التجارب -ودقيق رياضيًّا- يتحدى الطفرات والانتقاء الطبيعي الموصوف في الفصل السابق.
لذا، رغم الإعلان الرسمي من المحكمة الاتحادية، وادِّعاءات "التوثيق المستفيض في المنشورات العلمية لأصل الجينات الجديدة"، إلا أنَّ علماءَ البيولوجيا التطورية لم يثبتوا كيفية ظهور المعلومات الوراثية الجديدة، على الأقل لم يفعلوا ذلك، بما يخصُّ الكميات الكافية منها لبناء الطيات البروتينية، التي هي الوحدات الرئيسية في الابتكار البيولوجي. لم يَصِل علماءُ البيولوجيا لحل مشكلة التضخم التبادلي أو لدحض الحجة الكمية الدقيقة، التي واجهت القوة الخلاقة لآليات الانتقاء والطفرات المذكورة في الفصل السابق -أو في مقالتي المنشورة عام 2004-. كما لم يُقدِّم أي منهم دحضًا مقنعًا لتقييم دوجلاس أكس لندرة الجينات والبروتينات التي اعتمدت عليها تلك الحجة.
للإنصاف، يَملكُ البيولوجيون أتباع الداروينية الحديثة نماذج رياضية من عمل أيديهم، وهي نماذج تُشيرُ إلى إمكانية حدوث تغيرات تطورية لا نهائية في الشروط الصحيحة. ولَّدَ افتراض دقَّة تمثيل هذه النماذج -والمبنية على معادلات علم الوراثة السكانية- لكمية التطور الممكنة ثقةً لدى علماء البيولوجيا التطورية بالقدرة الخلاقة للآليات المتنوعة المعتمدة على الطفرات. لكن هل تَحِقُّ لهم تلك الثقة؟ سأناقش في الفصل التالي هذا السؤال وسأشرح سبب اطمئنان علماء البيولوجيا التطورية حتى الآن رغم التحديات الرياضية القائمة ضد الداروينية الحديثة. سأُبين أيضًا، كيف بدأ ذلك بالتغير مع ما وفرته التطورات في علوم الوراثة الجزيئية من تحديات رياضية مرعبة تواجه القدرة الخلاقة لآليات الداروينية الحديثة، وهو تحدٍّ ينشأ من داخل إطار الداروينية الحديثة، ويَطرحُ أسئلةً جديدة حول الكفاية السببية لآليات الداروينية الحديثة.
(1) Stephen C. Meyer, "The Origin of Biological Information and the Higher Taxonomic Categories."
(2) لنقاش مفصل حول حقائق قضية ستيرنبرج، راجع:
"Smithsonian Controversy" www.richardsternberg.com/smithsonian.php; U.S. Office of Special Counsel Letter (2005) at www.discovery.org/f/1488; United States House of Representatives Committee on Government Reform, Subcommittee Staff Report, "Intolerance and the Politicization of Science at the Smithsonian" (December 2006), at www.discovery.org/f/1489; Appendix, United States House of Representatives Committee on Government Reform, Subcommittee Staff Report (December 2006) at www.discovery.org/f/1490.
(3) Holden, "Defying Darwin"; Giles, "Peer-Reviewed Paper Defends Theory of Intelligent Design," 114; Agres, "Smithsonian ‘Discriminated ’Against Scientist"; Stokes, " . . . And Smithsonian Has ID Troubles"; Monastersky, "Society Disowns Paper Attacking Darwinism".
(4) Powell, "Controversial Editor Backed"; Klinghoffer, "The Branding of a Heretic".
(5) Hagerty, "Intelligent Design and Academic Freedom.
(6) See www.talkreason.org/AboutUs.cfm.
(7) Gishlick, Matzke, and Elsberry, "Meyer’s Hopeless Monster," www.talkreason.org/AboutUs.cfm.
(8) Jones, Kitzmiller et al. v. Dover Area School District.
(9) Matzke and Gross, "Analyzing Critical Analysis," 42.
(10) Matzke and Gross, "Analyzing Critical Analysis," 42.
(11) Matzke and Gross, "Analyzing Critical Analysis," 42.
(12) انظر في الفصل العاشر، الصفحة الخامسة عشر، الآليات الرئيسة الأربع التي يحدث فيها نسخة مزدوجة من DNA.
(13) لأمثلة، انظر:
Zhen et al., "Parallel Molecular Evolution in an Herbivore Community"; Liet al., "The Hearing Gene Prestin Unites Echolocating Bats and Whales"; Jones, "Molecular Evolution"; Christin, Weinreich, and Bresnard, "Causes and Evolutionary Significance of Genetic Convergence"; Rokas and Carroll, "Frequent and Widespread Parallel Evolution of Protein Sequences".
وطبقًا ل Dávalos وزملائه فقد "أظهر التحليل المتعمق لجينات محددة، في سياق دراسات التأريخ التطوري السلالي بناء على مواضع جينية متعددة، أن التطور التكيفي الموصل إلى التقارب، والذي كان يعتقد فيما مضى أنه نادر جدًا، هو كذلك مصدر للتضارب بين الأشجار التطورية الجينية كما هو التضارب بين أشجار النسب المورفولوجية والجزيئية".
("Understanding Phylogenetic Incongruence," 993).
(14) Shen et al., "Parallel Evolution of Auditory Genes for Echolocation in Bats and Toothed Whales"; Li et al., "The Hearing Gene Prestin Unites Echolocating Bats and Whales"; Jones, "Molecular Evolution".
(15) Khalturin et al., "More Than Just Orphans"; Merhej and Raoult, "Rhizome of Life, Catastrophes, Sequence Exchanges, Gene Creations, and Giant Viruses"; Beiko, "Telling the Whole Story in a 10,000-Genome World".
(16) Suen et al., "The Genome Sequence of the Leaf-Cutter Ant Atta cephalotes Reveals Insights into Its Obligate Symbiotic Lifestyle".
(وجدنا أيضًا 9361 بروتينا فريدًا خاصًا ب A.cephalotes، وهو ما يمثل أكثر من نصف بروتيومها المتوقع"5). انظر أيضًا Smith et al., "Draft Genome of the Globally Widespread and Invasive Argentine Ant (Linepithema humile)": ("كان هناك بالمجمل 7184 جينة فريدة (45%) في L. humile ذات القرابة بالأنواع الثلاثة الأخرى"، 2).
(17) Tautz and Domazet-Lošo, "The Evolutionary Origin of Orphan Genes"; Beiko, "Telling the Whole Story in a 10,000-Genome World"; Merhej and Raoult, "Rhizome of Life, Catastrophes, Sequence Exchanges, Gene Creations, and Giant Viruses."
(18) Lyell, Principles of Geology.
(19) Pray and Zhaurova, "Barbara McClintock and the Discovery of Jumping Genes (Transposons)."
(20) Long et al., "The Origin of New Genes," 867.
(21) Nurminsky et al., "Selective Sweep of a Newly Evolved Sperm-Specific Gene in Drosophila," 574.
(22) Chen, DeVries, and Cheng, "Evolution of Antifreeze Glycoprotein Gene from a Trypsinogen Gene in Antarctic Notothenioid Fish," 3816.
(23) Courseaux and Nahon, "Birth of Two Chimeric Genes in the Hominidae Lineage."
(24) Knowles and McLysaght, "Recent de Novo Origin of Human Protein-Coding Genes."
(25) Wu, Irwin, and Zhang, "De Novo Origin of Human Protein-Coding Genes."
(26) Guerzoni and McLysaght, "De Novo Origins of Human Genes"; see also Wu, Irwin, and Zhang, "De Novo Origin of Human Protein-Coding Genes."
(27) Siepel, "Darwinian Alchemy".
(28) Siepel, "Darwinian Alchemy".
(29) Siepel, "Darwinian Alchemy."
(30) كما ذكر Siepel "يثير منشأ تلك الجينات الجديدة كليًا سؤالًا حول كيفية إنتاج التطور لتلك الجينات الوظيفية بدءًا من DNA غير مرمز عبر الانتقاء الطبيعي. ورغم أن كل واحدة من هذه الجينات ليست بتعقيد عضو كامل، كالعين أو حتى كالريشة، لكنها تظل محتاجة لسلسلة من المتطلبات غير البسيطة لتصبح وظيفية، مثل وجود الـ ORF (الإطار المفتوح للقراءة)، وأنها ترمز لبروتين يخدم بعض الأهداف المفيدة، ووجود بروموتر قادر على بدء عملية انتساخ RNA، وأنها توجد في المناطق الكروماتينية مفتوحة البنية والتي تسمح بحدوث الانتساخ. كيف يمكن لكل قطع الأحجية تلك أن تجتمع في موضع واحد بعمليات عشوائية أو طفرات وتأشيب وجنوح جيني محايد...؟ ("Darwinian Alchemy").
(31) بالطبع يمكن للمرء أن يجادل بأن عمليات الطفرات التي يكثر ذكرها لشرح نشوء الجينات الجديدة من عليبات cassettes المعلومات الجينية الموجودة مسبقًا، هي نفسها تشرح منشأ المعلومات في تلك العليبات في المقام الأول. تقترح تلك النظرة أن السيناريوهات التي استشهد بها Long لا تصادر على المطلوب بقدر ما تولد إحجامًا عن الشرح ينتهي عند النشوء الأساسي للمعلومات البيولوجية، أي عند نقطة نشأة الحياة الأولى. تقتضي تلك النظرة أن العمليات التي استشهد بها Long تشرح كل تزايد لاحق في المعلومات خلال مسار التطور البيولوجي، رغم أنها تبقي النشوء الأول للمعلومات البيولوجية و(السؤال القريب منه عن) النشوء الأول للحياة لغزًا. لكن تبقى هذه النظرة عاجزة عن شرح كيفية توليد ترتيبات محددة للرموز التي تكوِّن عليبات الـDNA تلك من خلال خلط عليبات معلومات موجودة مسبقًا.
(32) Zhang, Zhang, and Rosenberg, "Adaptive Evolution of a Duplicated Pancreatic Ribonuclease Gene in a Leaf-Eating Monkey".
تختلف الجينات التي ترمز لهذين البروتينين بـ12 نكليوتيد في تسلسلاتها المرمزة، وتُنتِج تلك الاختلافات بروتينين مختلفين عن بعضهما البعض في الكهرسلبية الكلية. وهذا الاختلاف يسمح بدوره للبروتين RNASE-1B بالعمل في درجة pH أقل من البروتين الآخر RNASE1 بقليل. ولأن الرئيسيات الأخرى تملك البروتين RNASE1 فقط، افترض كل من Zhang و Zhang و Rosenberg أن تطور الجينة الثانية (والبروتين) يمنح الأفراد ميزة انتقائية ضمن نوع السعادين. ولشرح منشأ الجينة الثانية، اقترحوا جينة كسلف مشترك، حدث عليها تضاعف جيني، وتراكم للطفرات المختلفة في النسخة المُضاعَفة (ال RNASE1B) بمرور الزمن.
(33) في هذه الدراسة ("Adaptive Evolution of Cid, a Centromere-Specific Histone in Drosophila")، يستنتج Malik و Henikoff "حصول التطور التكيفي على سلالات كل من D.melanogaster و D.simulans منذ انفصالهما عن الأصل المشترك"، وقد استندا في هذا الاستنتاج على تحليل نسبة الطفرات "المترادفة synonymous" في جينوم هذين الكائنين. وجدت الدراسة أن العديد من الاختلافات/الطفرات في تسلسلات الأسس النكليوتيدية قد غيرت تسلسل حمض أميني (وتسمى بالتالي طفرات "غير ترادفية")، بينما لم تقم البقية بذلك (والمسماة طفرات "صامتة أو ترادفية"). كانت نسبة هذه الاختلافات التي غيرت في تسلسل الحموض الأمينية أكثر من النسبة المتوقعة لو نشأت من التطور الحيادي لوحده، مما قاد المؤلفين لاستنتاج حصول التطور التكيفي على ذريات كل من D.melanogaster و D.simulans منذ افتراقهما عن الأصل المشترك". وبما أن بعض هذه الاختلافات موجودة في المناطق الرابطة للبروتينات على الصبغي، فلربما أثرت في قدرة البروتين الارتباطية. لكن كاتبي الورقة البحثية لا يحددان أي تأثير وظيفي معين لتلك التبدلات في الحموض الأمينية، ويبنيان مزاعمهما عن وجود "دليل قوي على حصول التطور التكيفي في هيستون Cid" فقط عبر مقارنة الأعداد النسبية لحفنة من التباينات الترادفية وغير التردافية بين الجينات.
(34) Enard et al., "Molecular Evolution of FOXP2, a Gene Involved in Speech and Language"; Zhang, Webb, and Podlaha, "Accelerated Protein Evolution and Origins of Human-Specific Features."
(35) Enard et al., "Molecular Evolution of FOXP2, a Gene Involved in Speech and Language."
(36) Long et al., "The Origin of New Genes," 866.
(37) Darnell and Doolittle, "Speculations on the Early Course of Evolution"; Hall, Liu, and Shub, "Exon Shuffling by Recombination Between Self-Splicing Introns of Bacteriophage T4"; Rogers, "Split-Gene Evolution"; Gilbert, "The Exon Theory of Genes"; Doolittle et al., "Relationships of Human Protein Sequences to Those of Other Organisms."
(38) على سبيل المثال، ذكر Arli A. Parikesit وزملاؤه أنه "بالرغم من وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين حدود الميدان البروتيني و حدود الإكسون، فإن حوالي ثلثي الميادين البروتينية المدروسة يتخلل سلاسل الـDNA الخاص بها إنترون واحد على الأقل، وفي المتوسط، يحتوي الميدان على 3 أو 4 إنترونات" ("Quantitative Comparison of Genomic-Wide Protein Domain Distributions," 96–97) بعد حذف الاستشهادات الداخلية.
(39) Gauger, "Why Proteins Aren’t Easily Recombined."
(40) Axe, "The Limits of Complex Adaptation." See also Voigt et al., "Protein Building Blocks Preserved by Recombination."
(41) أثبت الخلط التجريبي للجينات فائدته فقط عندما يكون الجينان من الأبوين متشابهين إلى حد كبير. انظر:
Friedman, and Bailey-Kellogg, "Algorithms for Optimizing Cross-Overs in DNA Shuffling."
(42) في العام 2012، أعلنت مجموعة بحثية من جامعة واشنطن عن نجاحها في تصميم عدة طيات بروتينية ثابتة باستخدام قواعد قليلة، والكثير من التحليل المحوسب، والتجربة والخطأ (حوالي 10% من البروتينات المصممة انطوت كما هو متوقع). وبالرغم من ثبات طيات هذه البروتينات، لكنها لم تؤد أي وظيفة بيولوجية. واعترف الباحثون أن هناك ما يشبه التقايض بين الاستقرار والوظيفية في البروتينات الطبيعية. وبقي علينا البحث فيما إن كانت طرائق هندسة التسلسلات قادرة على إنتاج طيات ثابتة وظيفية من لا شيء، حتى بالاستعانة بأفضل العقول والموارد الحاسوبية للعمل على هذه المعضلة. ولذا فهنالك سبب ضعيف يدعو للتفكير في أن خلط الإكسونات بعملية غير موجهة قادر على توليد بروتين وظيفي ومستقر. أنظر:
Nobuyasu et al., "Principles for Designing Ideal Protein Structures"; Marshall, "Proteins Made to Order."
(43) Altamirano et al., "Directed Evolution of New Catalytic Activity Using the Alpha/Beta-Barrel Scaffold." See also Altamirano et al., "Retraction: Directed Evolution of New Catalytic Activity Using the Alpha/Beta-Barrel Scaffold."
(44) Gauger, "Why Proteins Aren’t Easily Recombined."
(45) Axe, "The Case Against Darwinian Origin of Protein Folds."
(46) كمثال انظر إلى:
Long and Langley, "Natural Selection and the Origin of Jingwei, a Chimeric Processed Functional Gene in Drosophila"; Wang et al., "Origin of Sphinx, a Young Chimeric RNA Gene in Drosophila melanogaster"; Begun, "Origin and Evolution of a New Gene Descended from Alcohol Dehydrogenase in Drosophila."
(47) Long et al., "Exon Shuffling and the Origin of the Mitochondrial Targeting Function in Plant Cytochrome cl Precursor."
(48) Long et al., "Exon Shuffling and the Origin of the Mitochondrial Targeting Function in Plant Cytochrome cl Precursor."
(49) Nurminsky et al., "Selective Sweep of a Newly Evolved Sperm-Specific Gene in Drosophila."
(50) Nurminsky et al., "Selective Sweep of a Newly Evolved Sperm-Specific Gene in Drosophila."
(51) Brosius, "The Contribution of RNAs and Retroposition to Evolutionary Novelties."
(52) Begun, "Origin and Evolution of a New Gene Descended from Alcohol Dehydrogenase in Drosophila."
(53) Begun, "Origin and Evolution of a New Gene Descended from Alcohol Dehydrogenase in Drosophila."
(54) من الأوراق البحثية التي استشهد بها لونغ والتي توظف الانتقاء الطبيعي رغم أن وظيفة الجينة مجهولة، وكذلك الوظيفة التي تخضع للانتقاء:
"Origin and Evolution of a New Gene Descended from Alcohol Dehydrogenase in Drosophila"; Long and Langley, "Natural Selection and the Origin of Jingwei, a Chimeric Processed Functional Gene in Drosophila"; Johnson et al., "Positive Selection of a Gene Family During the Emergence of Humans and African Apes."
(55) Logsdon and Doolittle, "Origin of Antifreeze Protein Genes."
(56) Courseaux and Nahon, "Birth of Two Chimeric Genes in the Hominidae Lineage."
(57) Paulding, Ruvolo, and Haber, "The Tre2 (USP6) Oncogene Is a Hominoid-Specific Gene."
(58) Chen, DeVries, and Cheng, "Convergent Evolution of Antifreeze Glycoproteins in Antarctic Notothenioid Fish and Arctic Cod."
(59) Logsdon and Doolittle, "Origin of Antifreeze Protein Genes."
(60) Johnson et al., "Positive Selection of a Gene Family During the Emergence of Humans and African Apes."
(61) Nurminsky et al., "Selective Sweep of a Newly Evolved Sperm -Specific Gene in Drosophila"; Chen, DeVries, and Cheng, "Evolution of Antifreeze Glycoprotein Gene from a Trypsinogen Gene in Antarctic Notothenioid Fish"; Courseaux and Nahon, "Birth of Two Chimeric Genes in the Hominidae Lineage"; Knowles and McLysaght, "Recent de Novo Origin of Human Protein-Coding Genes"; Wu, Irwin, and Zhang, "De Novo Origin of Human Protein-Coding Genes"; Siepel, "Darwinian Alchemy".