* ملحوظة: هذا المقال من كتاب (صانع النار: كيف صمم البشر لتسخير قوة النار) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
يعد حجم الأرض مناسبًا جدا؛ فهو ليس صغيرا بحيث تكون جاذبيته ضعيفة لا تقدر على حفظ الغلاف الجوي، ولا كبيرًا فتكون الجاذبية أقوى فتمتلك غلافا جويا أقوى بما فيه من الغازات السامة.
Frank Press and Raymond Siever, Earth (New York: W. H. Freeman, 1986), 4.
الصورة 2–1: الأرض كما تظهر من محطة الفضاء العالمية عام 2016. |
كما رأينا، كان للنار الأهمية البالغة المطلقة في تطور الإنسانية نحو التحضر والتكنولوجيا. مما يجعلنا غير قادرين على تصوّر أي خط سير نحو التكنولوجيا لا يبدأ ويستمر مع النار. ذاك الطريق لا يمكن أن يكون من صنع الإنسان، ولكنه نتاج تسهيلات كبيرة من الطبيعة وتوافق الأشياء؛ طواعية المعادن، وجود مصادرها الخام، وحقيقة أن الحرارة كانت كافية لإذابة هذه المعادن من مصادرها الخام بواسطة النار الناتجة عن الفحم النباتي.
ولكن الطبيعة وفرت مساهمة أخرى مهمة جدا للجنس البشري وتطويعه النار أيضا؛ وهي المحافظة على الغلاف الجوي على الأرض بصفات مناسبة لإشعال النار.
الغلاف الجوي المناسب
الكوكب المناسب للنار واستخدامها من خلال كائنات تشبهنا، يجب أن يمتلك غلافًا جويًا يدعم التنفس والنار. بالرغم من الأمر لم يحظى بالتقدير المناسب، الظروف الجوية الضرورية للتنفس تختلف عن تلك اللازمة لإشعال الحرائق، وقد يبدو أكثر إمكانية أن يكون ثمة كوكب بغلاف جوي يدعم الحرائق ولكن ليس التنفس (مثل قمة سلاسل جبل إفرست)، أو أن يدعم التنفس ولكن ليس الاحتراق، أو لا يدعم أيًا منهما.
والنقطة المفصلية هي أن "انتشار" النيران (استدامتها) تتحدد بعوامل جوية مختلفة عن تلك التي تضمن دخول الأكسجين للرئتين. في ورقة بحثية ممولة من وكالة ناسا للفضاء، علق المؤلفين: "آلية انتشار الشعلة تتألف من تفاعل معقد لانتشار وانتقال الحرارة، بالإضافة لعمليات كيميائية داخل مادة الوقود نفسها والحالة الغازية المحيطة... معدل انتشار الشعلة على سطح من المواد الصلبة القابلة للاشتعال تقل بوجود غازات خاملة في الغلاف الجوي... يتناسب معدل انتشار الشعلة مع السعة الحرارية للغلاف الجوي لكل مول من الأكسجين، وتعتمد طاقة الاشتعال الظاهرية بقوة على خصائص التبدد الحراري للغلاف الجوي".1
في ورقة علمية أخرى ممولة من ناسا عنوانها (الغلاف الجوي الصالح للسكن الذي لا يدعم الاحتراق) علق مكهيل (McHale): "لقد تم اكتشاف أنه إذا كانت السعة الحرارية للغلاف الجوي يمكن أن ترتفع لما يقارب 50 كيلو كالوري/سْ لمول الأكسجين، فهذا الغلاف لا يدعم احتراق أي مادة عادية. الكثير من الخصائص في البيئة تحدد معدل انتشار الشعلة، ويمكن الحصول على علاقة بسيطة مع السعة الحرارية لأن المواد المستخدمة تكون خاملة وتعمل فيزيائيا لتثبيط عملية الاحتراق... يعتمد الاحتراق على تغذية مرجعية من طاقة مكان الاحتراق للوقود غير المشتغل لإيصاله لدرجة حرارة الاشتعال. الغازات الخاملة تعمل كمشتت حراري لطاقة الاشتغال، تبرد الشعلة وتتدخل في هذه التغذية الراجعة، إذا توفرت بتراكيز عالية فإنها تخمد الاحتراق.
وبكل الأحوال فإن الغلاف الجوي يلعب أدوارًا مختلفة لاستدامة الحياة أكثر من دعم الاحتراق. وظيفته كداعم للحياة يحتاج ضغطًا (2.5~ باسكال – 130مم زئبقي – أو أكثر) من الأكسجين كاف للحفاظ على ضغط الاكسجين في الدم. الغازات الأخرى المخففة، إذا كانت خاملة فسيولوجيا مثل النيتروجين فإن لها تأثيرا صغيرا على هذه العملية. وباختيار إضافات مناسبة يبدوا ممكنًا تحضير غلاف جوي بسعة حرارية عالية وبنفس الوقت خامل فسيولوجيًا. وهذا سيمثل غلافًا جويًا قابلًا للسكن غيرَ داعم للاحتراق".2
ونظرًا لكون العوامل المؤثرة على إدخال الاكسجين للرئتين (كالضغط الجوي للأكسجين، حاليا 160مم زئبقي) والعوامل المؤثرة على انتشار النار (متضمنة نسبة الاكسجين، حاليا 21%، ووجود غازات أخرى في الجو) مختلفة، فمن الممكن تصميم غلاف جوي قادر على إبقاء سحب الأكسجين عبر الرئتين ولكن لا يسمح بالاحتراق. يقول دوغلاس درايسدال (Douglas Drysdale): "من الممكن تصميم غلاف جوي يدعم الحياة وليس الاشتعال. إذا كانت السعة الحرارية للغلاف الجوي لكل مول من الأكسجين قد زيدت أكثر من 275 جول/كلفن (باعتبار نسبة الأكسجين في النيتروجين 12%) فلا يمكن للشعلة أن تتواجد في الظروف الطبيعية المحيطة. إذا قل مستوى الأكسجين لما يقارب 12% فلن يدعم الأنشطة البشرية (باستثناء الأمم التي تعيش على ارتفاعات عالية) ولكن إذا ارتفع ضغط هذا الغلاف الجوي إلى 1.7 وحدة ضغط جوي، سيرتفع ضغط الأكسجين إلى 160مم زئبقي. مكافئ لذلك المتوفر في الغلاف الجوي الطبيعي وبالتالي مناسب جدا للسكن– بالرغم من كونه لا يسمح بالاحتراق.
تم أخذ استخدام هذه الأغلفة الجوية بعين الاعتبار لاستخدامها في السفن الفضائية على سبيل المثال. النيتروجين عامل تخفِف فعال جدا، والاختبارات التي أجريت بواسطة البحرية الأمريكية تشير أن النار يمكن أن تنطفئ إذا تغير خليط الأكسجين/ النيتروجين بإضافة مزيد من النيتروجين للغلاف الجوي، حتى مع الحفاظ على ضغط الاكسجين عند 160مم زئبقي، ولكنه يدعم التنفس البشري بمثالية.
ولأن عملية الاحتراق تختلف بشكل أساسي عن سحب الأكسجين عبر الرئتين، الحقيقة التي تقول بأن الغلاف الجوي يدعم كلا الأمرين لها تبعات كبيرة. إنه الاتساق الذي سمح للجنس البشري باستخدام النار لأول مرة، ومن ثم إقامة رحلته التكنولوجية من العصر الحجري إلى القرن الواحد والعشرين.
ومن الأهمية ملاحظة ألا يمكن أن تكون السعة الحرارية للنيتروجين أقل مما هي عليه أو من الصعب السيطرة على النار في الظروف المحيطة. لأن النيتروجين مهم لمنح الغلاف الجوي الكثافة وكذلك لحماية المحيطات من التبخر، لذلك سعته الحرارية هي إحدى العناصر التي منحتها الطبيعة وجعلت الإنسان قادرًا على السيطرة على النار.
وبالملخص، الغلاف الجوي الحالي مناسب –لأسباب عدة– لاستدامة النار ولدعم الأيض التأكسدي عند الإنسان. من جهة، الضغط الجوي الكلي (حاليا 760مم زئبقي) لا يمكن أن يزيد أو أن الجهد المبذول للتنفس سيزداد جدا.5 وكذلك خطورة أن تحدث الحرائق. 6ومن جهة أخرى، لا يمكن أن تكون من الأصل أقل لأن المحيطات ستكون قد تبخرت منذ مدة طويلة. بالرغم من كون العمل مؤخرا يشير أن نسبته في الماضي البعيد كانت أقل من نسبته في الوقت الحاضر. 7
الاحتراق التلقائي
مع الأخذ بعين الاعتبار الحرارة الهائلة الناتجة من الاحتراق، وكذلك أن أجسامنا تتكون من مركبات كربونية مختَزَلة، يظهر أمامنا سؤال ذكر مؤخرا في الفصول السابقة: لماذا لا نحترق نحن كذلك تلقائيًا؟ حتى على درجات الحرارة المحيطة باعتبار الديناميكية الحرارية للتأكسد؟ بل ولماذا لا نتجمد بنفس الطريقة؟
تعد الحرائق في الغابات دليلًا قويُا على كمية طاقة الوضع الهائلة (الديناميكية الحرارية) التي تختبئ خلالها. ويُزعم بأنه في الحقبة الرطبة– العصر الكربوني– حين كانت الأرض تتشكل من مستنقعات هائلة وأوائل البرمائيات زحفت في الهوامش المائية للبحيرات والجداول– كان مستوى الأكسجين يصل ل 30% أو أكثر قليلا. وهذه نسبة كبيرة مقارنة بما هي عليه الآن. والأدلة المقترحة تقول بأن الغابات الرطبة اشتعلت بضراوة. 9 تأثيرات هذه الاحتراقات الهائلة ضعفت فقط بسبب أن الأرض كانت رطبة ومعظم الحياة كانت مائية أو عاشت في هوامش الأنهار والمستنقعات.
الصورة 2–2: لحسن الحظ، كوكبنا مناسب للنار، ولكن ليس للاحتراق التلقائي. |
وجد جيمس لوفلوك (James Lovelock) أن مستوى الأكسجين في الغلاف الجوي إذا كان أكثر من 25%، فضلا عن 30%10 يمكن أن يتسبب بالحرائق اليوم حتى في الغابات المدارية المطيرة. إذن السيطرة على النار في الغلاف الجوي مثالي الضغط بأكسجين أكثر من 25% سيكون إشكالية صعبة. المستويات الحالية المحيطة قريبة من 21% مثالية تقريبا للسيطرة على الحرائق، عالية بشكل كاف لتشتعل النيران، ولكن ليس عالية جدا بشكل يجعل النار غير خاضعة للسيطرة.11
السبب وراء كون الإنسان أو الأشجار لا تحترق تلقائيا بنسبة أكسجين 21% (ضغط الأكسجين=160 مم زئبقي) هو كمل ذكر قبل قليل في الفصل الأول أن كلا الأكسجين والكربون خاملين نسبيًا على درجات الحرارة المحيطة نظرًا لشكلهما الذري المميز، والذي يضعف فعاليتهما بشكل كبير.12
ضعف انشاط الاكسجين يجعله قادرا على المحافظة على معدلات استقلاب عالية في الثدييات على كوكبنا. مما يعني أن نسبة 21% أكسجين في غلافنا الجوي مطلوبة لتزويد الكائنات المتعطشة للطاقة التي تتنفس الهواء (كالثدييات والطيور والحشرات الطيارة... إلخ) بكميات أكسجين كافية لسد حاجتها الأيضية.13 وبنفس الوقت لا تؤدي لاحتراق تلقائي.
وكما يقول رومان بولاتوف (Roman Boulatov): "المحيط الحيوي يستفيد جدا من خمول الأكسجين(كجزيء) كونه يسمح بتواجد مواد عضوية مختَزَلة بشدة في غلاف غني بالمؤكسدات القوية".14
ومن سخرية القدر، أن خمول الأكسجين الكيميائي يعد مشكلة للحياة كما له فائدة أيضًا. ويتابع بولاتوف: "هذا الخمول يعني أيضا أن التأكسد الهوائي السريع سيحدث فقط إذا كانت الطاقة الموضوعة في النظام تفوق الحواجز الحرائكية الداخلية (مثل الحرارة المستخدمة لابتداء النار) أو أن التفاعل محفز"15 بإنزيمات تحتوي على أيونات الحديد أو النحاس في المواقع النشطة.16
ومن عناصر المصادفة الأخرى في الطبيعة أن ذرات المعادن الانتقالية، كالحديد والنحاس، تمتلك الخصائص الذرية المناسبة تماما لتنشيط الأكسجين –برفق– للتفاعلات الكيميائية. حقيقةً، كل الإنزيمات التي تتعامل مع الأكسجين في الجسم، حتى تلك التي لا تتضمن في تنشيط الأكسجين على نحو الخصوص كالهيموغلوبين (والذي يلعب دورًا في نقل الأكسجين) تستخدم ذرات العناصر الانتقالية. إذن استطاع الجسم أن يتغلب على خمول الأكسجين في درجات الحرارة المحيط عن طريق الخصائص الفريدة لذرات المعادن الانتقالية التي تنشطه لإنتاج الطاقة في الكائنات التي تتنفس الهواء مثلنا، والتي تعتمد معدلات الأيض العالية ونمط الحياة النشط على طاقة الأكسدة.17 ولولا مقدرتنا على التعامل مع الأكسجين على نحو فريد لكنا كـكائنات حية مكونة من الكربون تعتمد على الأكسدة لإنتاج طاقتها لما كنا موجودين.
باختصار/ خمول الأكسجين يناسب بطرق عدة الكائنات التي تتنفس الهواء للحصول على الأكسجين بشكله الغازي من الغلاف الجوي: فهو يسمح لطاقة الأكسدة أن تُتستخدم في الجسم ويمنعنا من الاحتراق التلقائي، ويسمح باستخدام النار المسيطرة عليه.
ومن الأهمية الملاحظة أن خمول الأكسجين في درجات الحرارة المحيط من مصادفات الطبيعة وبشكل خصوصي متعلق بالكائنات التي تتنفس الهواء مثلنا. وتمنعنا من الاحتراق التلقائي وبنفس الوقت تسمح بالسيطرة على النار. ولكن هذا لا ينطبق على الكائنات المائية التي تستخلص الأكسجين من الماء وغير قادرة على إشعال النار. وبالتأكيد هذه الخصائص كانت غير متسقة أبدا مع البكتيريا اللاهوائية والكائنات الأليفة مع الظروف القاسية التي تختبئ في الصخور، بعيدة عن مخاوف الحياة مع الأكسجين.18
الكوكب ذو الحجم الملائم
كل العناصر الفريدة التي اتسقت في الطبيعة لتسهم في تطور التكنولوجيا والنار لن تكن ذات جدوى لولا وجود كوكب صخري بحجم مناسب كالأرض. إذا حاز الكوكب على غلاف مائي ثابت وغلاف جوي مناسب للحياة كما تحدثنا سابقًا، فإنه لا بد أن يمتلك حجم وكتلة وكذلك مجال جذب قريب جدا من الأرض19، وأن بتعرض لتطور جيوفيزيائي مماثل. وينبغي لجاذبيته أن تكون قوية كفاية لتحافظ بشكل دائم على العناصر الغازية الثقيلة مثل النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون، وضعيفة كفاية بنفس الوقت لتسمح بفقدان مبدئي للعناصر الطيّارة الخفيفة مثل الهيدروجين والهيليوم. فقط في الكواكب المماثلة لحجم وكتلة الأرض يمكن أن تمتلك غلافا جويا يحتوي على كميات كافية من الأكسجين يدعم النار.
صورة 2–3: الأرض هي الحجم المناسب لدعم النار والحيوانات ذات القدمين التي تستخدم النار. |
ولكن هناك أمر أكثر تميزًا: الكوكب المسمى بـ Golilocks الذي يشبه كوكبنا من حيث الحجم تماما بل وحتى جاذبيته كافية للحفاظ على غلاف جوي يدعم النار والتنفس الحيوي وأيضا مناسب لوجود كائنات مكونة من الكربون بحجمنا وتصميمنا منتصبة القامة وتسير على قائمتين. للتوضيح: الكائنات –كما سنري في الفصل الرابع– ذات الحجم والتصميم الملائمين لتستثمر ظاهرة النار. ومن الواضح جليًا، أن الجاذبية على ظهر الكوكب تحد من الحجم الأقصى الذي يمكن أن تصله الكائنات البرية. إذا كانت جاذبية سطح الأرض أكبر من ضعفي الجاذبية الحالية، سيكون وزننا أكبر من ضعفيه، مما يتطلب تغييرات مكافئة جذرية في تصميم الجسم حيث سيمنع وجود كائنات منتصبة القائمة ذات قدمين مثل الإنسان.
إذن الكواكب التي بحجم وكتلة الأرض تناسب مصادفة تصميم الحيوانات ذات القدمين بنفس أبعاد الإنسان القادر على استغلال النار وكذلك توفير الغلاف الجوي المناسب الذي يدعم الاحتراق والتنفس.20
توفر المعادن واستخدمها
التطور التكنولوجي لا يتطلب فقط كوكبّا بحجم مناسب وغلاف جوي داعم للتنفس وإشعال النار فحسب، ولكن أيضا ينبغي وجود وفرة وسهولة في استخدام المعادن فيه. بالرغم من كون بعض الحضارات المعقدة حققت نجاحات خارقة بدون استخدام المعادن –ومنها حضارة المايا– ولكن من المريب جدا أن يتواجد كائنات في أي مكان من الكون قادرة على تطوير حضارة تكنولوجية عن بعد مشابهة لحضارتنا دون استخدام المعادن.
في درجات الحرارة العادية على الأرض، تتميز المعادن بمقاومة شد عالية مثل النحاس والحديد (مما يعني تقريبا أنه من الصعب تشكيلها21) ولكنها مرنة أيضا بدرجة ملحوظة (والمقصود أنه من الممكن تشكيلها تحت تأثير مقاومة الشد، أو القدرة على سحب المعدن على شكل سلك22). على درجات الحرارة التي تفوق المحيطة، يصبح المعدن طريًا (بما في ذلك الفولاذ حيث يفقد مقاومة الشد على درجة حرارة أعلى من 400سْ)، بينما على حرارة أقل من الصفر المئوي، الكثير من المعادن تصبح هشة بشكل متزايد.23 إذن يمكن صب المعادن على شكل قضبان وعوارض فولاذية شديدة القوة لتستخدم في البناء، أو أن تسحب على شكل أسلاك بفعالية في مدى درجات الحرارة المحيطة.
وليس فقط للمعادن –بسبب مقاومة الشد– أن تصب بشكل أدوات قوية مفيدة لأهداف متعددة، بل أيضا كموصلات للكهرباء. نظرًا لمرونتها فإن من الممكن سحبها على شكل أسلاك رفيعة قوية، فمجموعة من الخصائص جعلت بناء مولدات ومحركات كهربائية ممكنا. وبدون الخصائص المزدوجة من الليونة والموصلية الكهربائية لن يكون هناك عهد كهربائي، ومن المريب أن المجتمع الإنساني تطور عن العهد البخاري في بدايات القرن التاسع عشر. وبناء عليه، ففي مقال ويكيبيديا عن الكهرباء النص التالي: "دُرست الظاهرة الكهربية منذ القدم، ومع هذا فالتقدم في الفهم النظري بقي بطيئا حتى القرنين السابع عشر والثامن عشر. وحتى حينها، التطبيقات العملية للكهرباء كانت قليلة، ولم تكن موجودة حتى أواخر القرن التاسع عشر حين استطاع المهندسون إدخالها في الاستخدامات السكنيّة والصناعية. التطور السريع في التكنولوجيا الكهربائية حاليا حولت المجتمع والصناعة. وتعدد استخداماتها الخارق غير محدود التطبيقات، ومن ضمنها النقل، التسخين، الإضاءة، الاتصالات، والحسابات. القوة الكهربائية الآن هي ركيزة المجتمع الصناعي الحديث".24
الصورة 2–4: أسلاك النحاس، متطلب في تطور المحركات الكهربائية. |
كل العصر الكهربائي حقيقة كان هبة من الخصائص المادية للمعادن وعلى وجه الخصوص معدن النحاس. ملائمة المعادن بسبب جمعها بين الليونة والخصائص الكهربائية حقيقة لافتة. وليس فقط قوتها وصلابتها المفيدة في درجات الحرارة المحيطة. بل وبدقة، الكثير من المعادن –خاصة النحاس أفضل موصل على الإطلاق– تعمل كموصلات على درجات الحرارة المحيطة بشكل أفضل من الحرارة العالية. النحاس على سبيل المثال، والذي لا يزال مهما للمولدات والمحركات الكهربائية، يوصل الكهرباء بفعالية أكثر ب 10 أضعاف على درجة حرارة 100سْ من 600 سْ (لأن مقاومته 10 مرات أقل) 25 إذا كانت موصلية النحاس 10 مرات أقل، حينها ينبغي للمساحة المقطعية للأسلاك أن تكون أكثر بـ 10 أضعاف لتعطي نفس الموصلية، مما يجعلنا نستثني الكثير من التطبيقات، ويجعل بناء المولدات والمحركات صعب للغاية.
يملك النحاس حقا ملائمة مثالية للتطبيقات في الأجهزة الكهربائية: القوة الذاتية، الصلابة، ومرونة أسلاك النحاس جعلت من السهل العمل معه. ومن السهل تصنيع أسلاك النحاس دون الحاجة لأدوات خاصة أو أسلاك توصيل. مرونته جعلته سهل الاندماج، أما صلابته أسهمت في الحفاظ على التوصيلات في مكانها بدقة. قوته الجيدة جعلت من السهل سحب السلك خلال الأماكن المضغوطة، من ضمنها قنوات الأسلاك. يمكن ثنيه أو طيه دون أن ينكسر. يمكن أن يُقطع أو أن يُعرّى وبخطورة أقل. ويمكن أن يوصَل دون الحاجة لأطراف توصيل أو تمديدات. مجموع هذه العوامل كلها جعلت إنشائها أسهل على الكهربائيين.26
يقاوم النحاس أيضا التشققات أكثر من الألمنيوم أو الحديد. في مقال عن النحاس نشرت في الموقع عن استخدامه: الخصائص المميزة للنحاس جعلته مركبًا نفيسا لمستقبلنا. له قدرة جيدة على تنظيم الحرارة والكهرباء، لا يمكن الاستغناء عنه في الطاقة الدائمة– من الألواح الشمسية إلى توربينات الرياح. ويمكن إعادة تدويره بنسبة 100%– مما يجعله مادة صديقة للبيئة. والمثير للخجل أن فقط 1 تريليون باوند تم استخراجه من النحاس منذ بدء التاريخ الإنساني– ومعظمه متداول والشكر لمعدل التدوير الخاص بالنحاس (وهو أعلى من أي مادة هندسية أخرى)... صناعة استخراج النحاس بأكملها، وسباكة النحاس تعتمد على التدوير الاقتصادي لأي منتج فائض. وليس فقط النحاس يمكن أن يعاد تدويره من أدوات مستخدمة مثل أنابيب الماء القديمة أو الأسلاك الكهربائية، ولكن القطع المتبقية من النحاس في أرضية المصانع يمكن إعادة تدويرها لنحاس من المستوى الأول. تقريبا نصف كمية النحاس المعاد تدويرها مصدرها الأدوات المستخدمة التي تم تدويرها من الاف السنين. في الحقيقة من عجائب العالم القديم، كولوسس رودز (the Colossus of Rhodes)، منحوتة قديمة على مدخل رودز هاربور (Rhodes Harbour) في اليونان القديم، ويقال أنها صنعت من النحاس، ولكن لم يبق أية كميات صغيرة بما أنها أعيد تدويرها لصنع أدوات أخرى.27
الصورة 2–5: هناك وفرة على الأرض من بعض المعادن التي ساعدت |
قدمت الطبيعة يد المساعدة في تطور التعدين. لم تكتشف المعادن في المقام الأول، وما كانت خصائصهم السحرية لتكون معروفة لولا أن خاماتهم متوفرة بكثرة ويمكن الوصول إليها في الصخور القشرية. ووفرتها ووجودها في الطبقات القشرية يعتمد على العمليات التكتونية المتعددة في أن تكون متلائمة تماما، مثل الماغما، العمليات الحرارية المائية والعمليات التحولية.28 إذا كانت خصائص الخامات المعدنية، إذا توفرت ذرات المعادن في قشرة الأرض، إذا كانت الكثافة لصخور القشرة... إلخ كانت مختلفة إلى حد ما، حينها ربما لن تتشكل القشرة الحاملة للمعادن، وبالرغم من عبقريتنا سنبقى محبوسين في العصر الحجري.
منذ أكثر من قرن مضى، ألمح ألفريد راسِل والاس (Alfred Russel Wallace) عن نفس الفرصة: "أقدم 7 معادن هم الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والرصاص والزئبق. كلها منتشرة على نطاق واسع في الصخور. ومعظمها متواجدة بشكلها النقي، ويمكن الحصول عليها بسهولة من خاماتها، مما أدى لاستخدامها منذ وقت مبكر جدا...
كل واحد من المعادن السبعة (وقليل من غيرها ذات الاستخدام الشائع) لها جودة مميزة جدا مما جعلها مفيدة لأهداف معينة، فدخلت إلى حياتنا اليومية وأصبح من الصعب الاستغناء عنها. بدون الحديد أو النحاس لم يكن ليبني المحرك البخاري الفعال. بل كل نظام الآلات الذي نستخدمه الآن لن يكون موجودا".29
1. USAF School of Aerospace Medicine, The Combustibility of Materials in Oxygen–Helium and Oxygen–Nitrogen Atmospheres, Clayton Huggett, Guenther Von Elbe, Wilburt Haggerty, SAM–TR–66–85, Brooks Air Force Base, 1966, 7 and 14, accessed on April 1, 2016, http://archive.rubicon–foundation.org/xmlui/bitstream/handle/123456789/4600/SAM_66_85.pdf?sequence=1.
2. NASA, Habitable Atmospheres which Do Not Support Combustion, Edward McHale, 30, Alexandria, Atlantic Research (1972), https://archive.org/details/nasa_techdoc_19720014620.
3. Douglas Drysdale, An Introduction to Fire Dynamics, 3rd ed. (Chichester, West Sussex: Wiley, 2011), 377.
4. Drysdale ibid.; Clayton Hugget, “Habitable Atmospheres which do not support combustion,” Flame and Combustion 20, no. 1 (1972): 140–142; Vytenis Babrauskas and Stephen J. Grayson, Heat Release in Fires (London: Interscience Communications, 2009). On page 316 the authors comment: “The effects of pressure on the burning of combustibles has become of great interest to the U.S. Navy as a means of extinguishing fires… In a landmark paper entitled Habitable Atmospheres Which do not Support Combustion… Huggett explained that for survival humans depend on there being a minimum partial pressure of oxygen, and a minimum concentration. By contrast, the combustion process requires a minimum flame temperature to avoid extinction. This minimum flame temperature can be related to a minimum heat capacity per mole of O2, this being about 170 to 210 J/C per mole of O2. Thus, if the total pressure of the atmosphere is increased by the forced injection of an inert gas into a sealed atmosphere, it may be possible to extinguish a fire without injuring persons… In small scale pool fire tests extinction was typically achieved when the nitrogen dilutent raised the total pressure to about 1.6 atmospheres. Subsequent, engineering details have been pursued in an ambitious program of large scale tests.”
5. Richard Maynard Case and D. E. Evans, eds., Variations in Human Physiology (Manchester, UK: Manchester University Press, 1985). The work of breathing increases with the density (pressure) of the atmosphere. As the authors comment on pages 105: “The maximum voluntary ventilation is approximately proportional to the reciprocal of the square root of the density. This means at a depth of 30 m (4 bar) the maximum voluntary ventilation is only 50% of that at sea level. … [The work of breathing is increased for another reason] as the density of the air breathed increases, so the flow of air in the airways becomes more turbulent, resulting in an increase in airway resistance. In addition, an increased density of gases hinders their intra–alveolar diffusion … As a result of these factors, whereas maximum work capacity at sea level is normally limited by cardiovascular transport of oxygen, the limitations [of increased pressure/density] are largely ventilatory.”
6. Increasing atmospheric pressure much above the current level of 760 mm mg (1 bar) at sea level (keeping the composition the same i.e., 21 percent oxygen and 79 percent nitrogen) also increases the danger of fire. As reported in the U.S. National Oceanic and Atmospheric Administration (NOAA) hand book section 6.5.2: “The burning rate when the pressure is equivalent to [3 bar] is twice that of sea level air, and is 2.5 times as fast at [6 bar].” (National Oceanic and Atmospheric Administration, Department of Commerce, NOAA Diving Manual: Diving for Science and Technology, 1991, section 6–14.) In effect hyperbaric atmospheres have a similar effect as increasing the percentage of oxygen and render the control of fire highly problematical.
7. Sanjoy M. Som, Roger Buick, James W. Hagadorn, Tim S. Blake, John M. Perreault, Jelte P. Harnmeijer, and David C. Catling, “Earth’s Air Pressure 2.7 Billion Years Ago Constrained to Less than Half of Modern Levels,” Nature Geoscience (2016). doi:10.1038/ ngeo2713.
8. “This is one mystery I’m asked about more than any other—spontaneous human combustion,” says Arthur C. Clarke, author of 2001, in the episode “The Burning Question” of his 1994 TV series Mysterious Universe. “Yet some cases seem to defy explanation, and leave me with a creepy and very unscientific feeling. If there’s anything more to SHC, I simply don’t want to know.”
9. Nick Lane, Oxygen: The Molecule That Made the World (Oxford: Oxford University Press, 2002).
10. James Lovelock, Gaia: A New Look at Life on Earth (New York: Oxford University Press, 2000), Chapter Five.
11. Ibid.
12. Monika Green and H. Allen Hill, “The chemistry of dioxygen,” Methods Enzymology 105 (1984): 3−22.
13. David C. Catling, Christopher R. Glein, Kevin J. Zahnle, Christopher P. McKay, “Why O2 Is Required by Complex Life on Habitable Planets and the Concept of Planetary ‘Oxygenation Time,’” Astrobiology 5, no. 3 (June 2005): 415–38. doi:10.1089/ast.2005.5.415.
14. Roman Boulatov, “Understanding the Reaction That Powers This World: Biomimetic Studies of Respiratory O2 Reduction by Cytochrome Oxidase,” Pure and Applied Chemistry 76, no. 2 (2004): 303–319, doi:10.1351/pac200476020303.
15. Ibid.
16. Corinna R. Hess, Richard W. D. Welford, and Judith P. Klinman, “Oxygen–Activating Enzymes, Chemistry of,” in Wiley Encyclopedia of Chemical Biology (Hoboken, NJ: John Wiley & Sons, Inc., 2008).
http://doi.wiley.com/10.1002/9780470048672.wecb431.
The authors comment: “Nature has developed a diverse array of catalysts to overcome this kinetic barrier. These dioxygen–activating enzymes are divided into two classes: oxygen–ases and oxidases. Oxygenases incorporate directly at least one atom from dioxygen into the organic products of their reaction. Oxidases couple the reduction of dioxygen with the oxidation of substrate. Typically, enzymes that react with dioxygen contain transition metal ions and/or conjugated organic molecules as cofactors.”
17. Catling et al.
18. Thomas Gold, The Deep Hot Biosphere (New York: Copernicus, Springer–Verlag New York, Inc., 1999).
19. “Surface Gravity,” Wikipedia, May 12, 2016, accessed May 17, 2016, https://en.wikipedia.org/wiki/Surface_gravity. Gravity = M/R2 where M = mass and R = radius of the planet.
20. NASA, “NASA’s Kepler Mission Announces Largest Collection of Planets Ever Discovered,” 16–051, Kepler and K2, May 10, 2016, accessed May 16, 2016, http://www.nasa.gov/press–release/nasas–kepler–mission–announces–largest–collection–of–planets–ever–discovered; In Nature’s Destiny, Chapter Eleven, I wrote (some time before the Kepler mission was launched): “If the cosmos is indeed uniquely fit for life as it exists on earth then the existence of [rocky, earth–like planets] capable of harbouring life should be relatively common.” (Michael Denton, Nature’s Destiny, 95.) Although to date no planet exactly like the earth has been detected (see Mike Wall, “1st Alien Earth Still Elusive Despite Huge Exoplanet Haul,” Space.com, May 11, 2016, accessed May 16, 2016, http://www.space.com/32852–alien–earth–search–nasa–kepler–space–telescope.html), there is a widespread and growing belief that they will eventually be found (Sara Seager, “Searching for Other Earths,” The New Atlantis (Fall 2015), accessed May 16, 2016, http://www.thenewatlantis.com/publications/searching–for–other–earths).
21. Often defined as: “Tensile strength is a measurement of the force required to pull something such as rope, wire, or a structural beam to the point where it breaks. The tensile strength of a material is the maximum amount of tensile stress that it can take before failure, for example breaking.” From “Tensile Strength,” Wikipedia, May 1, 2015, accessed on May 23, 2016, https://simple.wikipedia.org/wiki/Tensile_strength.
22. “In materials science, ductility is a solid material’s ability to deform under tensile stress; this is often characterized by the material’s ability to be stretched into a wire.” From “Ductility,” Wikipedia, May 2, 2016, accessed on May 23, 2016, https://en.wikipedia.org/wiki/Ductility.
23. Roy Beardmore, “Temperature Effects on Metal Strength,” RoyMech, November 11, 2010, accessed on April 4, 2016, http://www.roymech.co.uk/Useful_Tables/Matter/Temperature_effects.html.
24. “Electricity,” Wikipedia, May 16, 2016, accessed May 23, 2016, https://en.wikipedia.org/wiki/Electricity.
25. Glenn Elert, “Electric Resistance,” The Physics Hypertextbook, 1998–2015, accessed on April 4, 2016, http://physics.info/electric–resistance.
26. “Copper wire and cable,” Wikipedia, April 24, 2016 accessed on May 23, 2016, https://en.wikipedia.org/wiki/Copper_wire_and_cable.
27. “About,” Copper Matters, accessed on April 4, 2016, http://www.coppermatters.org/about.
28. “Ore Genesis,” Wikipedia, May 9, 2016, accessed on May 23, 2016, http://en.wikipedia.org/wiki/Ore_genesis.
29. Wallace, The World of Life, 359–360.