* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (الأخلاق العصبية: نقد اختزال علم الأعصاب المعرفي للأخلاق) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
لقد سيطرت النظرة العلمية على تصوراتنا كثيرا، واعتبر الحديث العلمي أو النظرة العلمية الحديث الوحيد الصحيح عن العالم، فـ"تحت تأثير العلم المعاصر نحن عرضة لأن نصبح من أصحاب المذهب الفيزيائي الجذري إذا كنا شديدي الميل إلى الأحادية والبساطة، ولا نرغب في قبول نظرة ثنائية أو تعددية إلى الأشياء".[1] وهناك نقولات كثيرة من متخصصين على مر القرن العشرين تصرح بذلك، نكتفي منها بقول عالم الفلك البريطاني آرثر إدينجتون: "يختلف تصور الرجل العادي للمنضدة كل الاختلاف عن تصور العالِم لها، فالرجل العادي يرى أن المنضدة جسما له لون وملمس وشكل معين وصلابة معينة ولها ثبات نسبي في المكان وديمومة في الزمن، لكن العالم يرى نفس المنضدة شيئا آخر، مؤلف من ذرات بينها خلاء، وتصدر عنها شحنات كهربية تتحرك بسرعة خاطفة لا ترى بالعين المجردة... إن ما يراه الرجل العادي وهم".[2] نجد هنا موقفا جذريا يقصي الحديث العادي عن الأشياء لصالح الحديث العلمي عنها، وأشد جذرية وأصرح من موقف رورتي الذي نقلنا عنه تشبيهه الإحساسات بالعفاريت الذي يجب التخلي عنه بالمحمولات العلمية، لكن إذا قيل لرورتي أنه يجب إزالة مفهوم "المنضدة" باعتبار أن العلم يخبرنا بأنها ليست إلا تجمع من الجزئيات فسيقول أنه "من غير الملائم بشكل هائل أن نفعل ذلك"[3]، وهي إجابة برجماتية، تجعل رؤية الرجل العادي نافعة لكن ليست على شيء من الناحية المعرفية.
ونفس الموقف الصلب أريدَ تطبيقه على علم النفس من المادية الإقصائية وما شابهها من الرؤى التى تقوم على النظرة العلمية الأحادية، حيث ترى إمكان الوصول للعقلي بالمنهج الفيزيائي، وتأمل أن يصل العلم يوما ما عن هذا الدماغ الفاعل، عن هذه البنى التي تمقول العالم وتتحدث عنه. هذا هو التصور والمنهجية السائدة في تفسير السلوك الإنساني الحر، سواء كان لغويا أو أخلاقيا، ويصدق عليه قول فتجنشتاين: "يرى الفلاسفة باستمرار منهج العلم أمام أعينهم، ولا يستطيعون مقاومة محاولة الإجابة على هذه الأسئلة [مثلا ما هي الأخلاق؟] بنفس منهج العلم، ما يميلون إليه مصدر حقيقي للميتافيزيقا، ويقود الفلاسفة إلى الظلام التام".[4] وعملنا هنا هو نقد هذا النهج البيولوجي العصبي.
مبدأيا المادية الإقصائية "تسيء وصف" المفاهيم النفسية [والأخلاقية]، "في وصفها بأنها من شأنها أن تكون نظرية علمية"، فهي تجعل المفاهيم النفسية التي هي نمط خطاب يبرره المجتمع الذي يسوّغ معارفنا نظرية علمية، وهذا خلط تصنيفي كبير، فمن ناحية "عندما نصف الاعتقادات والرغبات إلى الناس ونحاول فهم سلوكهم من حيث امتلاكهم لحالات عقلية لا نفعل أي شيء إطلاقا يشابه ما يفعله العلماء عند تفسير حركات الأجسام الكبيرة من خلال الاستناد إلى قوى أثرت عليها، وذلك لأن التفسيرات المؤطرة فيما يتعلق بالاعتقادات والرغبات هي تفسيرات عقلانية [قائمة على صورتنا الحياتية التي تحمل الشخص مسؤلية]، نفسر بها سبب تصرف الناس بالطرق العادية من خلال الاستناد إلى أسبابهم المظنونة لهذا التصرف. فالجماد حينما يتصرف وفق قوانين ميكانيكية لا يتصرف بهذه الطرق لأن لديه أسباب لهذا التصرف، أما التفسيرات العقلانية فتخضع لقيود معيارية، خلافا لتفسيرات العلم الطبيعي. إن القواعد هي المعايير التي يجوز لها أن تحكم أسباب الفاعل العاقل للتصرف تصرفا حسنا أو سيئا، ومن الواضح أنه لا علاقة بين هذه القواعد والتفسيرات الفيزيائية المحضة للظواهر، فنحن لا نذم حجرا لأنه سقط ولا نمدح الشمس لأنها تشرق كل يوم".[5] وأصل هذه القواعد المعيارية ثقافي وليس فيزيائي، فالبحث عن المسؤلية الأخلاقية القائمة على الثقافة في إطار فيزيائي هو اختزال لكامل هذه الظاهرة وخلط بين نمطي خطاب لا يغني أحدهما عن الآخر، وإذا كان التحقق في الفيزياء له طريقة معينة، فالتحقق في النمط الأخلاقي له طريقة أخرى مختلفة تماما. فنحن نعرف أن شخصا ما مسؤل أخلاقيا من خلال مراقبة سلوكه والحكم بأنه سلوك عاقل وغير ذلك، وبحسب منهجنا الوصفي "من غير المشروع تماما أن نعترف بالوجود المعرفي لشيء ما بدون اهتمام للأشكال اللغوية التي يتم من خلالها اكتشاف هذا الشيء".[6]
باختصار "لا يُنظر إلى هذه الأنماط الفكرية كنظرية علمية بدائية عن السلوك الإنساني، إنما كجزء من معنى أن تكون إنسانا، إنها ليست أنماطا صنعها الإنسان لا يمكن الاستغناء عنها، إنما هي تكوين جزئي من إنسانيتنا نفسها".[7] وقد اعترف بعجز المادية عن تفسير النمط العقلي والأخلاقي كثير من المحسوبين على المادية، فمثلا يقول بوتنام: "إن المذهب الذي يشترك به معظم فلاسفة العلم (والذي اشتركتُ به لسنوات كثيرة) هو المذهب القائل بأن قوانين العلوم الراقية المستوى كعلم النفس وعلم الاجتماع قابلة للاختزال إلى قوانين العلوم المتدنية المستوى كالبيولوجيا، والكيمياء، وانتهاء بقوانين فيزياء الجسيمات الأولية. إن قبول هذا المبدأ يتطابق عموما مع الإيمان بوحدة العلم ومع الإيمان بالمذهب الحيوي أو بالمذهب النفسي أو مع شيء ما ردئ على أي حال.. وأجادل بأن هذا المذهب خاطئ".[8] ويقول جون سيرل: "على الرغم من أن الماديين مقتنعون بنصف إيمان ديني بأن رأيهم يجب أن يكون صحيحا فإنهم لم ينجحوا أبدا في صياغة مرضية لها [أي للمادية] يمكن قبولها من قبل الفلاسفة الآخرين عامة، حتى من قبل ماديين آخرين"، ويعتقد أن سبب هذا الفشل هو "أنهم واجهوا دائما الواقعة الواضحة أن الصيغ المختلفة للمادية تتجاهل صفة عقلية جوهرية معينة للكون والتي نعرف أنها موجوة بصورة مستقلة عن اعتقاداتنا الفلسفية".[9] ويقول فودور: "إن الكيانات السايكولوجية (كالأحاسيس مثلا) ليس من السهل الاعتقاد بأنها قابلة لأن تحلل تحليلا دقيقا (ميكرويا) إلى أي شيء، أقله العصبونات أو حالات العصبونات".[10]
ومن ناحية أخرى لغة العلم التجريبي مستمدة من اللغة العادية، وإبطال نمط خطاب معين كالعقلي أو الأخلاقي كما فعل رورتي يلزم عنه إبطال اللغة العادية كلها كما التزم بذلك إدينجتون (وإن كان لم يتصور هذا اللازم حق التصور). وإن قيل أن المفاهيم الوصفية مثل مفاهيم الألوان موضوعية بينما المفاهيم أخلاقية فيقال أننا نعرف نطاقا معينا من الألوان، ونعتقد أن هذا النطاق يعكس طبيعة الأشياء بلا مبرر، كل ما أمامنا هو مفاهيم لونية ممثلة في قواعد نحوية تعمل داخل شروط بيولوجية معينة، فالأشياء لا تفرض علينا هذه المفاهيم، وكذلك البنى المفاهيمية نفسها التي نتمتع بها ليست ضرورية بسبب طبيعتنا، فـ"الضرورة لا تدخل نطاق تكوين المفاهيم"[11]، بل صورة حياتنا هي التي تحدد ما نتصوره كضروري، ومن هنا تأتي الكلمات والتسمية قبل الأشياء. فهذا الاعتراض يقوم على نظرية انعكاسية في المعرفة، تجعل الأشياء (الفيزياء) صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في تكوين إنسايتنا، بينما الأمر كذلك طبقا للمنهج الوصفي الذي عرضناه، وعبء الإثبات يقع على من يقول بالنظرية الانعكاسية؛ فالمنهج الوصفي جمع المركب التالي: اللغة والسلوك الممارس من الجماعات البشرية والاتفاق في البنية الجسدية، أما النظريات الانعكاسية والفطرية فتكتفي بالبنية الجسدية والبيئة، وعليها يقع مسؤلية إثبات أن هذه البنية كافية لتكوين صورة حياة، أي عليها أن تقدم لنا إنسانا معزولا يحمل صورتنا للحياة.
إن الحديث الفيزيائي عن العالم ليس له أفضلية من الناحية المعرفية عن أي حديث آخر، فـ"اللغة الفيزيائية برأي فتجنشتاين لا يمكنها الزعم بأنها تفيد بمثابة نموذج مطلق للخبرة المعرفية البشرية"[12]، لأن كل حديث عن العالم له طريقة للتحقق والقبول مختلفة عن حديث آخر، بل حتى الحديث العلمي نفسه يمكن القول أنه ذات أنماط داخلية، فمثلا الرد الشهير للكيمياء إلى الفيزياء "ليس ردا كاملا بحال، ومن المحتمل جدا أنه لا يمكن إكماله، صحيح أن بعض خواص الجزيئات (وبخاصة الجزيئات البسيطة ذات الذرتين) مثل بعض الأطياف الجزيئية أو النسق البلوري للماس والجرافيت قد تم تفسيرها في حدود النظرية الذرية؛ غير أننا لا يمكننا بأي حال أن ندعي أن جميع أو معظم خواص المركبات الكيميائية يمكن ردها إلى النظرية الذرية، حتى لو كان ما يمكن أن يسمى (الرد من حيث المبدأ) للكيمياء إلى الفيزياء يوحي بذلك إيحاء شديدا"[13]، وهي نقطة فرعية لن نطيل فيها.
نعود إلى اختزال أو إقصاء العقلي لصالح الجسدي. يختلف الحديث عن العقلي عما هو جسدي اختلافا مقوليا، فـ"إذا وصفتُ ظاهرة من ناحية كـ "انفعال" ومن ناحية أخرى كـ"تفريغ لشحنة أدرينالين" فإنني أنتج بيانين لغويين وصفيين معرفيين، يختلف أحدهما عن الآخر، ولكل منهما ربما كان يقدم معلومات معينة لا يقدمها الآخر، من هنا كانت ميزة الحفاظ على استقلالية كل واحد منهما".[14] ولكل منهما طريقة تحقق مختلفة تماما، فالوصف العلمي تتحقق منه الجماعة العلمية المعنية، بينما وصف شخص ما بأنه غاضب فوسيلة التحقق من هذا الوصف هو المجتمع الملاحظ لسلوكه، والذي يعامله كشخص له أنماط سلوكية مشتركة اجتماعيا.
وهنا ندخل إلى مركز مغالطة العلوم العصبية وعلوم الإدراك، وهي اختزال جملة: (محمد يبر والديه) في جملة (المخ يحتوي على أنساق عصبية تحملنا على بر الوالدين–نتيجة لعوامل تطورية وما شابه–)، وهو اختزال واضح للمبررات المعقدة في أسباب مادية مخزنة في المخ، وما قلناه في تقريرنا الوصفي يكفي لرد ذلك، إلا أن الفيلسوف البريطاني المتخصص في فلسفة فتجنشتاين بيتر هاكر قد أوضح هذا الخطأ المقولي توضيحا مفيدا من خلال نقده الفريد لمفهوم العلوم العصبية المعرفية تحت عنوان (The Mereological Fallacy in Neuroscience)ـ[15]، ويمكن تلخيص ما قاله على النحو التالي:
يفترض علم الأعصاب المعرفي أن للمخ قدرات إدراكية ومعرفية وأخلاقية معينة، فالمخ هو من يفكر ويعتقد ويفسر ويختبر الأشياء ويمقولها، وهذا ظاهر بأدنى تأمل في أعمال أنتونيو دا ماسيو وسام هاريس مثلا، يقول دا ماسيو: "أدمغتنا تستطيع غالبا أن تقرر جيدا في ثواني أو دقائق، اعتمادا على الإطار الزمني الذي نحدده مناسبا لتحقيق الهدف الذي نريده، وإذا كان باستطاعتها ذلك فلا بد أنها تقوم بمهمة عظيمة، وليس مجرد التفكير المحض"[16]، وتطبيقا لهذا الاختزال يرى هاريس أن "الإرادة الحرة وهم، ببساطة نحن لا نصنع إرداتنا، فالأفكار والمقاصد تنبع من أسباب جذرية لا نعيها ولا نمتلك السيطرة الواعية عليها، نحن لا نمتلك الحرية كما نظن..حتى الإرادة الحرة لا تنسجم مع الحقائق الذاتية عنا، ويتضح لنا الاستبطان كمعارض لهذه الفكرة وكذلك قوانين الفيزياء. إن أفعال الإرادة تنبثق فقط بشكل تلقائي (كونها مسببة أو غير مسببية أو يُحتمل انحرافها لا يؤثر)، ولا يمكن تتبع أصلها في عقولنا الواعية. دقيقة أو اثنتان من المراقبة الذاتية وستلاحظ أنك لا تملك قرار الفكرة التالية أكثر من فكرتي التالية التي سأكتبها"[17]. لكن لغتنا العادية التي هي المبرر الأعلى لا تسمح بهذا الاستخدام، فكما وصف فتجنشتاين: وحده الإنسان وما يسلك مثل سلوكه هو الذي يمكن القول بأن لديه إحساسات، وأنه يرى، أو أنه أعمى، أوأنه يسمع أو أنه أصم، أوأنه واعٍ أو أنه غير واعٍ. [PI 281]ـ[18]، ويقول نورمان مالكولم تلميذ فتجنشتاين: هل يمكن أن تكون للدماغ أفكار أو أوهام أو آلام؟ إن لا معنى هذا الافتراض يبدو واضحا إلى درجة أنني أجد من الصعب أخذه على محمل الجد، لم تستطع أي تجربة أن نثبت هذه النتيجة من أجل الدماغ، لماذا لا؟ السبب الأساسي هو أن الدماغ لا يشبه بشكل كاف الكائن البشري"[19]. إن المحمولات النفسية لا يمكن نسبتها إلا للإنسان ومن يسلك مثل الإنسان، فالقول بأن شيئا ما كالدماغ يشعر أو يفكر هو استخدام آخر يمكن تسميته ثانوي أو مجازي، لكن أن نستبدل الإنسان بشيء من جسده للحديث عنه فهذا خطأ مقولي واضح، فالمخ ليس هو من يمر بالتجارب مختلفة الجوانب.
إن العلوم العصبية المعرفية تعامل الدماغ مثلما يعامل ديكارت الجوهر غير المادي، كلاهما يخرج عن الاستعمال الطبيعي الصحيح للمحمولات النفسية، حيث أننا ننسبها للشخص وليس لشيء من جسده (حتى لو كان فيه الشرط الضروري لقيام عملية الفكر) أو للجوهر غير المادي، وهنا نجد أن الثنائية الميتافيزيقية الخارجة عن المفهوم العادي للإنسان والرؤية المادية الاختزالية الخارجة عن المفهوم العادي للإنسان تشتركان في الرؤية الميتافيزيقية نفسها، وهي نفس الرؤية التشومسكية، وهي لسنا نحن من يقرر ويسلك!
أما المنهج الوصفي فيقول أن الإنسان العادي يماهي بين المحمول العقلي والشخص نفسه، "فليست العين هي التي تبصر، بل الشخص نفسه"[20]، وعندما أتحدث عن أي عضو جسدي محل الشخص أهمل كل السلوك الإنساني المشترك للفعل (الموروث الاجتماعي الذي وضحنا أنه خالق الإدراك)، وأنكر إرادتي، وأنكر تجاربي الاجتماعية والنفسية، فـ "عندما أتألم أو آمل أو أعزم فإنني لا أعبر عن حقائق معينة تدعى أحداثا حقيقية، إنني أعبر بالأحرى عن خصوصية طبيعتي كإنسان، الطريقة الشخصية التي أمر بها بأوضاع معينة، التي تميزها ذاتيتي الخاصة، لهذا السبب فإن تحليل ما يدعى بالظاهرات العقلية لا يصبح راسخا وجديرا بالثقة إلا إذا قمت به كتحليل لوجودي الملموس ولفعلي المؤثر".[21] باختصار ليس هناك معنى لمقولة "المخ هو الذي يقرر" طبقا للمفهوم العادي أو الفطري للشخص والمحمولات النفسية، وبهذا نرد كافة الإشكالات العصبية التي تتعلق بحرية الإرادة[22] كما رددنا الإشكالات البيولوجية من المنظور المتمركز حول الجين في كتابنا "نقد الأخلاق التطورية".
من الضروري هنا أن نعرف أن علماء الأعصاب المعرفيين لا يقصدون بكلمة "الدماغ" اختصارا للإنسان كما نفعل أحيانا أو يستعملونها مجازيا، ولو كان مرادهم كذلك فلن يكون هناك أي إشكال، لأنهم في هذه الحالة يبحثون في الشرط الضروري لإنتاج المعرفة الإنسانية كأي شرط جسدي للقيام بحركة ما. والحاكم في استخدام عالم الأعصاب لكلمة الدماغ هو ممارساته مع استخدامه، فإذا كان يقول الكلمة اختصارا أو يستعملها استعمال خاص فلن يعتبر الدماغ هو الفاعل الحقيقي بل صاحب هذا الدماغ، أي سيتصرف كما يتصرف الإنسان العادي حينما يستعمل الكلمة الاستعمال العادي.
[1] كارل بوبر، النفس ودماغها، رؤية للنشر والتوزيع، ترجمة عادل مصطفى، ص94.
[2] زيدان، نظرية المعرفة، ص64.
[4] ماجين، فتجنشتاين والبحوث الفلسفية ص36.
[5] Lowe, E. Jonathan (2000). P65.
[6] مورافيا، لغز العقل، ص249.
[7] Lowe, E. Jonathan (2000). P66.
[8] مورافيا، لغز العقل، ص187.
[9] المرجع السابق ص46.
[10] المرجع السابق ص188.
[11] المرجع السابق ص220.
[12] المرجع السابق ص250.
[13] بوبر، النفس ودماغها، ص42.
[14] مورافيا، لغز العقل 269.
[15] Bennett, M. R. & Hacker, P. M. S. (2003) Philosophical Foundations of Neuroscience (Hoboken, NJ, Blackwell). Ch3.
[16] Antonio Damasio (1995), Descartes' Error: Emotions, Reason, and the Human Brain (New York: HarperCollins), p172.
[17] Sam Harris, Free Will (New York: Free Press, 2012), 5–6.
[18] ويذهب ريتشارد رورتي بعد تأثره بفتجنشتاين إلى أنه مادام أننا قبلنا بالمتحد الاجتماعي كمصدر للسلطة المعرفية "فحتى المعرفة اللاتصورية واللالغوية لما هو الإحساس الأول (الخام) بالقول: تُنسب إلأى كائنات على أساس عضويتهم الممكنة في هذا المتحد الاجتماعي، فالأطفال وأنواع من الحيوان أكثر جاذبية تتصف بأن لها أحاسيس، وليس مجرد استجابة للمؤثراث مثل الخلايا الكهربائية التصويرية والحيوانات التي لا تشعر بأحاسيس والأسماك الرقيقة والعناكب. وهذا يشرح على أساس ذلك النوع من الشعور المتحدي الاجتماعي الذي يوحدنا بأي كائن إنساني، فأن يكون الكائن إنسانا معناه أن يملك وجها إنسانيا، وأهم جزء من ذلك الوجه هو الفهم الذي يمكننا أن نتخيله لافظا جملا متزامنة مع تعابير مناسبة للوجه ككل، فالقول انسياقا مع الحس العام إن الأطفال يعرفون والخفافيض تعرف ما الألم وما هو الأحمر، لا ما حركة الجزئيات أو ما تغير الفصول، هو مجرد القول إننا نستطيع مباشرة أن نتخيلهم ونتخيلها يفتحون أفواههم وأفواهها ويقدمون ملاحظة على الحالة الأولى وليس على الحالة الثانية. والقول إن (آلة مؤلفة من خلية كهربائية تصويرية مربوطة بإحكام بآلة تسجيل) تقول (أحمر) عندما نلقي ضوءا أحمر عليها لا تعرف ما الأحمر معناه القول إننا لا نستطيع مباشرة أن نتخيل استمرار المحادثة مع الآلة. والقول إننا لا نعرف ما إذا كانت الآلات المشابهة للإنسان المصنوعة من البروتوبلازما والجاهزة للعمل ما خلا الذهاب إلى مركز الكلام الذي على وشك وضعه تعرف ما الأحمر: ليس اعترافا بارتباك علمي أو فلسفي يتعلق بطبيعته الذاتية، إنه مجرد القول إن الأشياء ذات الوجوه البشرية التقريبية والتي تبدو كما لو أنها ستكون في يوم من الأيام شركاء لنا في المحادثة تتصف بـ الأحاسيس، غير أننا إذا عرفنا كثيرا عن كيفية صنع هذه الأشياء فسنكره التفكير بأنها من الشركاء المحتملين".
ريتشارد رورتي، 1979، الفلسفة ومرآة الطبيعة، المنظمة العربية للترجمة، ترجمة: حيدر حاج اسماعيل، ص270.
وما أريده بهذا النقل ليس الإقرار بوجود وعي سابق للغة بأي معنى، ولكن أريد القول إنه حتى هذا الوعي الاجتماعي الأقرب للانفعال ويميل إلى الجانب البيولوجي يصعّب للغاية مهمة دراسة الإنسان "داخليا" بعيدا عن مجتمعه، فما هو الحال والوعي الإنساني الحقيقي معقد ومتنوع صور الحياة، ومفاهيمي (لغوي واجتماعي) في أصله؟
[19] مورافيا، لغز العقل، ص321.
[20] المرجع السابق، ص62.
[21] المرجع السابق ص335.
[22] من أشهر التجارب التي عادة ما تصوَّر كناقدة لمفهوم الإرادة الحرة تجربة بنيامين ليبيت عام 1985، وسؤال هذه التجربة هو ما إذا كان ثني الشخص لرسغه تلقائيا هو قرار واعي أم عملية دماغية غير واعية، ولذلك طلب من المشاركين في تجربته القيام بثني رسغهم على الأقل 40 مرة في الأوقات التي يريدونها وقاس ثلاثة أشياء: الوقت الذي تم فيه الفعل (من خلال وضع أقطاب كهربية على الرسغ) والوقت الذي بدأ فيه النشاط الدماغي (باستخدام أقطاب كهربية على فروة الرأس) في القشرة الحركية والوقت الذي اتخذ فيه القرار على نحو واع بالقيام بالفعل. والمشكلة في هذا الوقت الأخير، وتكمن في أنك إن طلبت من المشاركين الصراخ أو الضغط على زر أو فعل أي شيء آخر فسيكون هناك تأخير آخر قبل أن يحدث الفعل الجديد هذا، كما هو الحال مع الفعل الخاص بثني الرسغ. كذلك فإن القرار الخاص بالصراخ قد يتداخل مع القرار الأساسي الذي يتم قياسه، لذا وضع ليبيت طريقة خاصة لقياس "الإرادة"، فقد وضع أمام المشاركين في تجربته شاشة تظهر عليها نقطة تدور في دائرة مثل عقارب ساعة، ثم طلب من المشاركين مشاهدة الساعة وتحديد مكان وجود النقطة عندما قرروا القيام بالفعل. استطاعوا حينها بعد انتهاء الفعل الإشارة إلى مكان النقطة في تلك اللحظة المهمة، وهذا ما سمح لليبيت بتحديد وقت اتخاذهم قرار القيام بالفعل. السؤال: ما الذي حدث أولا؟ الإرادة أم إمكانية الاستعداد؟ اكتشف ليبيت أن القرار الخاص بالقيام بالفعل يحدث قبل الفعل بنحو 200 ملي ثانية، لكن إمكانية الاستعداد سبقت ذلك بنحو 350 ملي ثانية، أي قبل القيام بالفعل بنحو 550 ملي ثانية، بعبارة أخرى تبدأ العمليات الدماغية التي تخطط الحركة قبل أن تتكون لدى الشخص الرغبة الواعية في الحركة بأكثر من ثلث ثانية، فلا بد أنه قد حدث قد كبير من المعالجة العصبية قبل القرار الشخصي الواعي. وأثير حول هذه التجربة نقاشات عديدة ومعقدة، منها التشكيك في طريقة التجربة والقياس وفي تعميم النتائج فحركة مثل تحريك الرسغ لا يمكن مقارنتها أبدا بفعل أخلاقي معقد مثلا. وجدير بالذكر أن ليبيت لم ير أن الإرادة الحرة وهم، بل رأى تجاربه متوافقة مع الإرادة الحرة، فالاستعداد العصبي قبل أداء فعل ما وحده لا يعني أننا سنقوم بهذا الفعل في الواقع، وقد بين البحث اللاحق لليبيت أن حتى بعد إطلاق الجهد الاستعدادي لدينا القدرة على رفض الفعل الذي أثاره الجهد الاستعدادي من ناحية أخرى.