* ملحوظة: هذه السلسلة هي من كتاب (هناك إله: كيف غير أشرس ملاحدة العالم أفكاره؟) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
لم يكن تركي للإلحاد ناجمًا عن أي برهان أو ظاهرة جديدة. على مدى العقدين الماضيين، كان إطار فكري بأكمله في حالة من الترحال وعدم الثبات والتحول. وكان ذلك نتيجة التقييم المتواصل للأدلة المتتالية في الظهور في الطبيعة. عندما خلصت لإدراك وجود الإله، لم يكن هناك نقلة نوعية منهجية في النموذج الفكري المتبع، حيث ظل نموذجي مثلما هو، عملا بالقاعدة الفكرية السقراطية التي ذكرها أفلاطون في كتابه (الجمهورية): "يجب علينا اتباع الدليل، إلى حيث يقود".
قد تتساءل، كيف لفيلسوف مثلي أن يخوض في المسائل العلمية الـمُعالجَة من قِبَل العلماء. أفضل طريقة للإجابة على هذا السؤال هو طرح سؤال آخر: هل نحن بصدد نقاش علمي أم فلسفي؟ عند دراسة التفاعل بين جسيمين ماديين، على سبيل المثال، اثنان من الدقائق المكونة للذرات، عندها نحن نتحدث في العلوم. لكن عند السؤال كيف يمكن للدقائق المكونة للذرات –أو أي شيء مادي– ان تتكون من العدم؟ ولماذا؟ عندها نحن نتحدث في الفلسفة. وعند استخلاص استنتاجات فلسفية من المعطيات العلمية، فأنت تفكر كفيلسوف.
التفكير كفيلسوف
دعونا نطبق هنا الرؤية آنفة الذكر. في عام 2004م، ادعيت أنه لا يمكن تفسير نشأة الحياة من المادة فقط. رد النقاد بإعلانهم أنني لم أقرأ أي ورقة بحثية في أي مجلة علمية، أو لم أتابع أي تطورات متعلقة بعلم التخلق اللاحيوي التِّلْقائِيّ (النشوء التلقائي للحياة من المادة غير الحية). وبقيامهم بتلك الخطوة، هم لم يتطرقوا للنقطة الأساسية. كان اهتمامي ليس بهذه الحقائق أو تلك في الكيمياء أو الوراثة. لكن بالسؤال المحوري، ما معنى أن يكون الشيء حيًا، وكيف يرتبط ذلك بقوام الحقائق الكيميائية والوراثية بالنظر إليها ككل. التفكير على هذا النحو هو تفكير الفيلسوف. على الرغم أنى قد أنعت بالوقح، إلا أنني يجب أن أقر أنه دور الفلاسفة، وليس دور العلماء؛ اختصاص العلماء لا يعطي لهم أي أفضلية عند النظر في هذه المسألة، بل مثلهم في ذلك كمثل لاعب كرة البيسبول الذي يفتقر إلى الأهلية عندما يتعلق الأمر بترشيح معجون مفيد للأسنان.
بالطبع، للعلماء الحرية المطلقة في التفكير كفلاسفة، مثلهم مثل أي شخص آخر. وبالطبع، لن يتفق كل العلماء مع تفسيري الخاص للحقائق التي كانوا السبب في ظهورها. لكن معارضتهم لرأيي ينبغي أن يكون قائما على حجج "فلسفية". بعبارة أخرى، إذا هموا بأي تحليل فلسفي، فليس لصلاحيتهم ولا لمعارفهم التخصصية أي علاقة بالموضوع. ينبغي أن يكون استيعاب هذا الأمر يسيرا، فهم لو قدموا وجهات نظرهم حول اقتصاديات العلوم، كإحصاء أعداد الوظائف التي استحدثت عن طريق العلوم والتكنولوجيا، يجب أن قادرين على تمرير قضيتهم في رواق المحكمة المختصة بالتحليل الاقتصادي. وبالمثل، العالم الذي يتحدث كفيلسوف يجب أن يعمل على تكوين الحجة الفلسفية المناسبة. وعلى كل، وكما قال أينشتاين "رجل العلم، فيلسوف ضعيف".(1)
لحسن الحظ، ليس الحال هكذا دائما. لقد عكف رواد العلوم على مدى المائة سنة الأخيرة، بالإضافة لأغلب علماء اليوم ذوي التأثير النافذ على صنع تصور ورؤية مقنعة فلسفيًا لكون مستساغ عقليًا، ظهر من عقل الإله. وكما ذكرت، هذا هو التصور الدقيق للعالم الذي أراه الآن أصح تفسير فلسفي للعديد من الظواهر الكثيرة التي واجهها العلماء والعامة على حد سواء.
كنت شغوفًا بثلاثة مجالات علمية تحديدا، وسوف استعرضهم خلال الحديث هنا، استنادًا إلى براهين وأدلة اليوم. الأولى هي المسألة التي حيرت، ولا تزال تحير، غالبية العلماء المفكرون: كيف ظهرت قوانين الطبيعة؟ والثانية ماثِلٌة للعيان: كيف نشأت الحياة كظاهرة من اللاحياة؟ والثالثة هي المعضلة التي أحالها الفلاسفة لعلماء الكون: كيف ظهر الكون لحيز الوجود؛ الكون الذي نعني به كل الموجودات الفيزيائية؟
يتبع...
(1) Albert Einstein, Out of My Later Years (New York: Philosophical Library, 1950), 58.