علم نفس
لقد وُلدتُ اليومَ من جديد!
هذه العبارة تكاد تكون الأكثر سماعًا أو قراءة فيما يُدلي به العائدون إلى الدين من اعترافاتٍ أو تعليقاتٍ على ما مر بهم، والعاقل لا تمر عليه مثل هذه العبارة من غير وقفةِ تأمُّلٍ لحال قائلها، فالإيمان بخالقٍ هو أظهر الحقائق الفطرية المغروسة في كل إنسان، وهو أوضح فكرة يمكن لبشر أن يُدلل عليها بأبسط البديهيات العقلية التي تُولَد معنا منذ الصغر، والتي يُعد إنكارها نوعًا من أنواع الجنون –مثل إنكار السببية مثلًا أو أن التعقيد والغائية يدلان على فاعل حكيم مُريد قادر–، والعجيب أن هذه الحقائق لم تعد حِكرًا على المتحدثين في الأديان والمُنظرين لها فقط بل تم التدليل عليها تجريبيًا كذلك! ولعل الضجة التي أحدثتها صحيفة التلغراف البريطانية في نوفمبر 2008م بنشرها لنتائج بحث أكاديمي عن الأطفال بعنوان: "Children are born believers in God" أو "الأطفال يولدون مؤمنين بالله"(1) لم تكن أولها!. والخلاصة: أن العائد للإيمان بالخالق يشعر وكأنه قد أُعيدت ولادته من جديد ووضعه على الطريق القويم الذي وُلد عليه أول مرة! يشعر وكأنه قد خرج من ظلمة الجنين في بطن أمه إلى نور الدنيا الذي يملأ الحياة من حوله! يشعر وكأنه كان ميتًا بين الأحياء فعاد للحياة الحقة كإنسانٍ من جديد!
وهنا لا يسعني إلا تذكر قول الله عز وجل في لفتةٍ راقيةٍ من لفتات القرآن: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا"[سورة الأنعام 122]. وعلى ذلك نسأل سؤالًا وهو:
إذا كان هناك من البشر مَن اختار أن يُخالف فطرةَ الإيمان التي بداخله بإرادته واختياره ليعيش معاناة هذا الانتحار المعنوي والنفسي، فهل يمكن أن يجره ذلك إلى انتحار حقيقي يُودِي فيه بحياة نفسه بيده؟ وأقول: هذا ما سنتعرض إليه في هذه المقالة الآن بإذن الله.
صورة بيانية من الصفحة الأخيرة لدراسة بحثية عام 2002م لنسبة الانتحار مقارنة بالأديان –وقد اعتمد فيها الباحثان خوسيه مانويل José Manoel Betrolote وأليكساندرا فليشمان Alexandra Fleischmann على مراجع الأمم المتحدة المُوثقة(2)– حيث جاء الملحدون كأعلى نسبة في الانتحار! في حين جاء المسلمون في أدنى نسبة للانتحار وبصورة لفتت نظر الباحثين أنفسهم حتى علقا عليها قائلين: "إن نسبة الانتحار في الدول الإسلامية تكاد تقترب من الصفر، وسبب ذلك أن الدين الإسلامي يُحرم الانتحار بشدة"، وعلى هذا كانت توصياتهم للحَدِّ من الأعداد المتزايدة للانتحار سنويًا هي: التحذير من الإقدام على الانتحار، تعاهد مَن لديهم ميول للانتحار بمزيد الاهتمام والرعاية النفسية، ووضع عقوبات صارمة لِمَنْ يحاولُ الانتحار. وهي نفس خلاصة ما تناول به الإسلام مسألة الانتحار من 1400 عام!
درجات الإلحاد النفسي
إن المتمرس في نقاش وحوار الملحدين والاقتراب من طريقة تفكيرهم ولمس محاولتهم للتعايش مع أنفسهم في إنكارهم لبديهيات العقل والفطرة، يجدهم ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول:
وهو الذي وقع في فخ الإلحاد عن جهل، أو كنتيجةٍ لموقفٍ عاطفي أو صدمةٍ نفسيةٍ مع قضاء الله تعالى وقدره، أو متأثرًا ببعض الشبهات العلمية أو الدينية التي جذبته – وخصوصًا في سن المراهقة والشباب – فأوحت إليه بالتميز وكأنه قد اكتشف وانفرد بما لم يكتشفه وينفرد بمعرفته الكثير من أقرانه! وهذا النوع غالبًا هو الأقرب فرصة للعودة إلى التدين عمومًا – وإلى الإسلام خصوصًا – أو الولادة من جديد كما قلنا بمجرد زوال شبهاته أو إفاقته على حقيقة الأمر وأن مسألة الكفر والإيمان جَد وليست بهزل.
وأما الصنف الثاني:
فهو الذي نجح إلى حدٍ كبير في (التعايش) مع إلحاده! إما صبرًا على مضض –لكسب مالٍ أو نيل شهوة– وإما عنادًا كعناد إبليس، وإما خوفًا من السخرية منه أو شماتة الشامتين فيه إذا عاد إلى الحق والدين، وإما حُبًا في الإلحاد ذاته! فهذا الصنف تميز بقدرته على مداراة ضميره أو إسكات النزعة الإنسانية ونداء الإيمان الفطري بداخله! وهو الصنف الذي يمكن وصفه بأنه من الذين لديهم القدرة على (تصديق كذباتهم الخاصة) والبحث الاحترافي عن أية تبريرات لكل أعمالهم وأقوالهم والاقتناع بها ومهما كانت غريبة أو تافهة أو مخالفة للفطرة وللعقل! تمامًا كما صَدّق فرعونُ مصر كذبته في أنه رب الناس –وكما قالوها له ورددها عليه الكهنة–: "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" [سورة النازعات 24 ]. وهذا الصنف الصابر على كفره والمتمادي في غيه للأسف لا تنفعه ساعة الموت توبة ولا إعلان إيمان: "آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ"؟! [يونس 91].
وأما الصنف الثالث والأخير:
فهو مثل السابق في ميله وحبه واختياره للإلحاد، ولكنه لا يملك تلك القدرات على إسكات النزعة الإنسانية ونداء الإيمان الفطري بداخله! ولذلك يعيش حياته في صراع بين نفسه وضميره من ناحية، وبين شهواته وفساد عقله وما اختاره لنفسه من الناحية الأخرى! وللأسف.. فهذا الصراع يبلغ من العمق والألم ما لا ينفع معه مُسَكِّنات (التأقلم) مع (الحيوانية) الإلحادية –والتي لا ترى الإنسان إلا حيوانًا من الحيوانات في شجرة التطور المزعومة– في مقابل (الإنسانية) البشرية التي فطره الله عليها وبمخالفتها يشقى ويتعذب! وعليه... فهذا الصنف البئيس قد عُلِّقَ في المنتصف بين الصنف الأول والثاني! لا هو بالذي انحاز للحق إذ ظهر له، ولا هو بالذي استطاع أن يُحقق (الحيوانية) الإلحادية في داخله كـ(إنسان) بسبب بقايا الفطرة والأخلاق والضمير بداخله! فما أتعسه من إنسان يوشك غالبا على الانتحار ليرتاح!
وهذا الصنف الأخير هو موضوع مقالتنا هذه، وفي آلامه وأعراضها وحلولها نتجول!
صورة بيانية لترتيب وسائل الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية(3) حيث يأتي القتل بالرصاص أولًا، ثم الشنق، ثم السقوط من مكان مرتفع، ثم تناول السم، ثم قطع شريان اليد أو غيره.
1– النفاق النفسي وازدواجية المعايير الأخلاقية سببًا للانتحار!
وهو أول عاصفة تعصف بهذا الصنف بسبب الرواسب (الإنسانية) الفطرية التي بداخله! والتي خلقها الله تعالى في كل منا ليميز بين الخير والشر في الحياة أو كما قال سبحانه: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" [سورة الشمس 7: 10]. وأما المضحك المبكي – للأسف – أنه عندما يستجب هذا الصنف إلى تلك الرواسب (الإنسانية) فهو يشقى مع إلحاده! – وذلك لأن لوازم الإلحاد المادي هي عدم التقيد بأي شيء معنوي – فإذا أراد في المقابل – وكَحَلٍّ بديل ليريحه من عنائه – أن يزيد من وتيرة التقمص (الحيواني) كملحد على أمل قطع هذه الرواسب (الإنسانية) سريعًا ليتخلص منها ولا تزعجه: فلا تجده إلا وقد زاد نفسه ألمًا وإحكامًا لغرقه في مستنقع الفشل! فمثله في ذلك مثل الواقع في الرمال المتحركة Quicksand ! فإن هو سكن لوضعه واستسلم تجده وقد ازداد نزوله ببطء نحو هلاكه! وإن هو تحرك محاولًا الخروج تجده وقد تسارع نزوله أكثر في الرمال مما لو سكن! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما سر الألم الدائم هنا لهذا البئيس ذي البقايا (الإنسانية)، فهو أنه يجد نفسه مضطرًا للدفاع عن سلوكيات وأقوال غيره من الملاحدة الذين حققوا لوازم الإلحاد من التحرر الظاهري من كل قيد أخلاقي أو قيمي أو عرفي أو ديني تحت دعوى الحرية الشخصية وشعار: "أنا حر إذا لم أضر"! فتجده يدافع عن سلوكيات وأقوال الشاذين جنسيًا! وعن الممارسين للجنس مع الحيوانات! وعن المنادين بالتعري في الشوارع وفي الوقفات! وعن الممارسين لزنا المحارم أبًا أو أمًا أو أختًا أو أخًا في بهيمية أسفل من الحيوان! وعن المنادين بحرية تبادل أو خيانة الأزواج والزوجات حيث لا حرج في الإلحاد في تصريف الشهوة (الحيوانية) مع مَن يريد! والقائمة تطول وتطول وتطول مما يؤلم نفسه ويجرح روحَه في كل يومٍ وليلةٍ عشرات المرات! – تجد ذلك الألم والضياع وتلكم الحسرة في تعليقاتهم في مواقعهم ومنتدياتهم وحساباتهم في الفيسبوك وتويتر وغيره! – فإن سألت هذا الصنف هل ترضاه لنفسك؟ يقول: لا! هل ترضاه لأمك؟ لأختك؟ لزوجتك؟ يقول: لا! وهنا تقف على حقيقة تشتته ونفاقه النفسي وازدواجية المعايير الأخلاقية التي تتصارع في داخله كلما ابتعد عن الدين والفطرة! وإلى أن يُقرر في يومٍ من الأيام علاجًا أخيرًا لحالته وآلامه بالانتحار!
ملحوظة: حتى المؤمنين بإله عندما يرتكبون أفعالًا تتنافى مع (إنسانياتهم) و(فطرتهم) و(أخلاقهم) – كالحروب الظالمة مثلًا ودفع الجنود بالأمر لقتل وإبادة الأبرياء – فإن ردّات الفعل النفسي لديهم تكون غاية في الشقاء والألم الذي يطاردهم العمر كله! وفي هذا الصدد لا يغيب عنا أنه – وإلى اليوم وبعد عشر سنوات تقريبًا – لم تزل تسجل الولايات المتحدة الأمريكية أعلى نسبة (انتحار) لجنودها العائدين من حربي أفغانستان والعراق! حيث أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع أن عدد المنتحرين في 2012م وصل إلى 349 منتحر – أي بمعدل منتحر كل 25 ساعة!(4)– في حين وصل العدد إلى 301 منتحر في 2011م!. وأغلب المنتحرين لم يستطيعوا تحمل التبعات النفسية للحرب ولم تنفعهم الجلسات العلاجية، أو أصيبوا بتبلبل التفكير الدائم حتى تشردوا عن الوظائف والأعمال وضاقت أحوالهم ولم يجدوا مَن يساعدهم فانتحروا. وأقول: إذا كان هذا هو حال (المؤمنين) مع عذاب ضميرهم عند تنازلهم عن (بعض) إنسانيتهم وفطرتهم.. فما بالنا بهذا الصنف من الملاحدة إذن؟!
2– عذابٌ مستمر
ولعله من عجيب قدر الله تعالى وعدله أن يكون (مصدر) ألم وشقاء هذا الصنف من الملاحدة، هو نفس ما يتغنّى بإنكار وجوده ليل نهار! ألا وهو (نفسه) و(روحه) التي بين جنبيه! وفي ذلك مصيبةٌ والله أيُ مصيبة! إذ لو كان سبب شقاءه حِملٌ على ظهره أو فوق كتفيه لرماه، ولو كان لباسٌ يستره لخلعه، ولو كان بيتٌ يسكنه لتركه، ولو كان زوجةٌ لطلقها، ولو كان مكانٌ لرحل عنه، ولو كان عملٌ لاستبدله، بل ولو كان عضوٌ من أعضائه لقطعه ولكن...
أين يذهب هذا البئيس عندما حمل مصدر شقائه بين جنبيه وداخل قلبه ولازمه بلا انفكاك إلا الموت! أفنستكثر على هذا الظالم لنفسه بعد ذلك أن يلجأ إلى الانتحار ليتخلص من شقاء الليل والنهار؟
صورة تمثل أحد إعلانات اليوم العالمي لمكافحة الانتحار، والتابع لمنظمة الصحة العالمية في العاشر من سبتمبر من كل عام, ومن تصريحاتهم:
As of 2011, an estimated one million people per year die by suicide or "a death every 40 seconds or about 3,000 every day.
اعتبارًا من عام 2011م قرابة المليون حالة وفاة بالانتحار في العام! أو ما يعادل حالة كل 40 ثانية! أو بمعدل 3000 حالة انتحار في اليوم!(5)
مع العلم بأنه في مقابل كل 20 محاولة انتحار -كمعدل قياس- واحدة فقط التي تنجح! أي بمعدل محاولة كل 3 ثواني!(6)
3– خمسون بالمائة نعيم .. خمسون بالمائة جحيم!
الإلحاد في حقيقته هو (لاأدرية) مُوجهة! وذلك لأن الملحد مهما بلغ إنكاره لوجود الإله الخالق فهو لا يملك دليلاً يقينيًا على ذلك، وإنما يلجأ في أحسن حالاته للإيمان بـ (غيبٍ) آخر –غير الغيب الديني– يخترعه ليوهم نفسه به وبصحته! حتى أشهر الملاحدة يقعون في هذا الاعتراف عاجلاً أو آجلاً –وذلك مثلما وقع مع ريتشارد دوكينز في مناظرته مع بروفيسور الرياضيات النصراني جون لينوكس بعنوان: (هل دفن العلم الله؟) حيث اعترف فيه دوكينز بأنه ليس ملحداً صرفاً(7)– بل : وحتى في شعاره (الإلحادي) الذي أطلقه منذ سنوات في لندن باللصق على وسائل النقل العام: فلم يتجرأ أن (يجزم) فيه بأنه لا إله! وإنما جاء الشعار مُرجحاً فقط لذلك!
صورة من شعار حملة دوكينز 2009م: (على الأرجح ليس هناك إله، فتوقف عن القلق، واستمتع بحياتك).
أقول: وهذه الحقيقة تجعل احتمالية وجود إله من عدمه في عقل الملحد – تنزلًا مع فكره الشاذ فقط – هي الخمسين بالمائة لكلٍ منهما! والسؤال: كيف لعاقلٍ أن يرهن حياةً أبديةً في نارٍ وعذابٍ إذا صحت احتمالية الخالق في الأديان: بمثل هذا الموقف الإلحادي المخاصم لكل فطرة وعقل ومنطق واستدلال؟! فهل تدرون الآن مقدار العصف الذهني الذي يعانيه هذا الصنف الذي لم يتخلَّ عن عقله كله بعد! إنه يعي خطورة ما يضحك به على نفسه ويُصبرها به بتافه الأفكار البديلة والأوهام التي يتخيل معها موتًا بلا حساب! لقد قال أحد الناس يومًا أنه لو عرف أنه بموته سوف يتم حبسه داخل غرفة وحيدًا إلى الأبد، لبكى طوال عمره، فما بالنا لو كان ذلك الأبد هو في عذاب وسموم من ربٍ جبارٍ منتقم لمَن لم يرعَ حق العبودية والإيمان فيه بالعقل الذي كرمه ووهبه له؟
ومن هنا.. فلو سألني أحدٌ عن أكثر ما يجعل الملحدين مستمسكين بالحياة قدر ما يستطيعون لقلت: هو هروبهم من هذا المصير الأسود الذي يقترب منهم مع كل طلعة شمس! ولكن.. ماذا سيجني الواحد منهم ولو طال عمره لألف سنة؟ "وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" [سورة البقرة 96]. الله بصيرٌ بأوهام الإلحاد التي يتصور هذا الصنف اعتذاره بها إلى الله إن لاقاه! فيا له من موقفٍ عصيب ذلك الموقف الذي ينتظره عند الموت للأسف: "لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك فَبَصَرُك الْيَوْم حَدِيدٌ" [ سورة ق 22 ].
صورة بيانية لترتيب أسباب الانتحار في الولايات المتحدة عام 2008م(8) حيث يأتي في المرتبة الأولى سبب الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية – ثم سبب مشاكل الشريك العاطفي (الزوج أو الرفيق إلخ) – ثم سبب الأزمات الحالية (مثل موت قريب أو حبيب إلخ) – ثم سبب الأمراض الجسدية – ثم سبب مشاكل العمل – ثم سبب المشاكل المالية.
4– الكل مُبتلى، ولكن... ما أضعف الملحد !
وهذه الحقيقة لا يُنكرها أحد! فالكل مُبتلى بشتَّى الابتلاءات والمصائب، نبيًا كان أو رسولاً أو أكثر الناس كفرًا وإلحادًا! ولا أعرف أحدًا قديمًا ولا حديثًا مؤمنًا أو كافرًا عربيًا أو أعجميًا شرقًا أو غربًا أو شمالاً أو جنوبًا وقد ادّعى أن حياته تسير وفق هواه أبدًا وبلا ابتلاءاتٍ ومِحَنٍ ومصاعب قط!، وإنما اختلف المؤمن عن الملحد هنا أن المؤمن يجد في إيمانه بالله تعالى ويجد في معنى الحياة ترجمةً لامتحانه بسائر الامتحانات – وكما أخبره الدين – فلا يبتئس! ويجد في استشعاره معية الله تعالى خالقه وربه دومًا ملاذًا له من اليأس والإحباط وصاحبًا لن يعدمه في كل حين، وعلى كل حال! وكذلك يجد في دعائه لله تنفيسًا ومناجاةً لحبيبٍ ولقريبٍ ولمقتدرٍ على فك ما به من كربٍ أو نصره من ظلمٍ أو تحقيق ما يتمناه أو يرجوه إذا شاء! بل ويجد في وعد الله له بالثواب تخفيفًا لآلامه وعزاءً له على صبره واحتسابه! فهذا هو حال المؤمن باختصارٍ مع أقدار وقضاء ربه القائل سبحانه: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" [سورة الملك 2]. ويقول: "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [سورة الأنبياء 35]. ويقول مُعلنًا للمؤمنين به: "ألـم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ" [سورة العنكبوت 1– 2 ] ؟! أي يُمتحنون في صدق إيمانهم وصبرهم عليه، ويقول بصورة أكثر تفصيلاً: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ" [سورة البقرة 155: 157].
ومن واقع هذه النظرة الإيمانية التي شملت سائر أنواع الابتلاءات والمحن والصبر عليها, ننتقل إلى الجانب الآخر – وهو الملحد البئيس – ذلك الصنف الذي اختار لنفسه العطش والماء بين يديه! فهو مِن داخله يعرف ويعترف بضعفه كإنسان "وَخُلِقَ الْإِنْسَان ضَعِيفًا" [سورة النساء 28]. ولكنه لا زال يُكابر، ومُختارًا لجحود الإله طريقًا فما أتعسه!
فإذا نظرنا لأكبر أسباب الانتحار وهو الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية: نجد الإلحاد يحمل نصيبًا غير قليلٍ منها في عقول أتباعه! كيف لا وهم يعيشون عشرات التناقضات في حياتهم – كما أسلفنا من قبل – بل وتحترق دواخلهم من نار الخوف ومعظمهم يعرف أنه قد بنى إلحاده على (اعتراضات عاطفية وتظلمية واهية على الإله) وأنه حتى هذا الافتراء – لو صح – فلا علاقة له البتة (عقلا) بإنكار وجود الإله الخالق! – تمامًا مثلما يقول لك أحدهم: الحكومة ظالمة، إذن هي غير موجودة! فما دخل ذلك بذاك؟! –. فما بالكم بكل هذه الضغوطات والتي لا يجد الملحد لها مخرجًا إلا أن يُحدث بها نفسه –لعدم إيمانه بوجود إله–؟
فبمثل هذا الاضطراب النفسي ومعه دوران الملحد في دوائر الشبهات التي لا تنتهي بين الإنكار واليقين وبين الإيمان والكفر والتي يبعث بعضها على الجنون بالفعل: لاستطعنا إيفاء السبب الأول للانتحار حقه ونصيبه من أمراض الملحدين التي تأخذ نسبة ملحوظة في عيادات الطب النفسي في الخارج! ولا سيما في أكثر الدول تقدمًا ورفاهية وارتفاعًا في المعيشة مثل السويد والدنمارك – وهي من أكثر الدول إلحادًا كذلك، وبهذا يزول العجب! – حيث فاقت – كمثال فقط – نسبة انتحار المرضَى النفسيين في الدنمارك مثيلتها في السويد وإلى أن وصل مجموع حالات الانتحار في الدنمارك نسبة 5.6 شخص لكل 100.000 في مقابل 0.31 شخص في السويد – أي زادت عليها في الدنمارك بقرابة 18 ضعف – وكما نشر موقع أخبار الدنمارك 2011م.(9) إذ أن الإصابة بالاكتئاب النفسي عمومًا تسبق الانتحار غالبًا (نصف حالات الانتحار تقريبًا). فإذا أضيف إليها بعض الأمراض النفسية مثل الاضطراب الثنائي القطب قفزت النسبة إلى 20 ضعف للأسف.(10)
5– كلما زادت مشاكل الحياة زادت نسبة انتحار الملاحدة!
فإذا انتقلنا من سبب الانتحار الأول – وهو المرض العقلي والاضطراب النفسي – لوجدنا أن باقي الأسباب لا تعدو كونها ردات فعل عاطفية تجاه مشاكل تمتليء بها حياة البشر العاديين في كل يوم ولم ينتحروا؟! والسبب؟؟؟.. ابحث عن الإيمان والمحافظة على كونك (إنسان) يا عزيزي! فكلما زادت وتيرة الحياة وسرعة إيقاعها (المادي) التي تسلخ البشر من (إنسانيتهم): كلما زادت نسبةُ الانتحار عند أتفه الأسباب التي لا تمثل شيئًا عند غيرهم! وإليكم هذه المفارقة الصريحة حيث اخترتُ لكم واحدة من أكثر مدن العالم صخبًا و(مادية) إذا صح التعبير.. إنها مدينة نيويورك الأمريكية –أكبر المدن كثافة وزخمًا في الولايات المتحدة وولاية نيويورك– حيث نجد أن نسب الانتحار في هذه المدينة وحدها: يقارب نصف نسب الانتحار في كل الولايات الأمريكية مجتمعة!(11)
وحتى الانتحار بالقتل بالرصاص نجد نسبة تلك المدينة (الواحدة) مقارنة بباقي الولايات مجتمعة هي نسبة كبيرة!(12)
الدين هو الحل!
كم هي رخيصة هذه الحياة والله!، عندما تجد نفسًا أزهقت بمحض اختيارها هربًا أو يأسًا أو حتى اعتراضًا مُتوَهَمًّا لا يستند إلى إيمان! يخبرني زميل يزور بعض أهله في أيسلنده بين الحين والحين أن حوادث إلقاء النفس أمام الحافلة صباحًا كثيرة هناك! وأما العجيب فهو سبب حزن الواقفين واستنكارهم، فهم لم تهتز لهم شعرة على موت المنتحر – وهكذا هم أهل المدن هناك بخلاف الريف المؤمن – ولكن يستاؤون لتأخرهم عن مواعيد العمل!
لم يعد من الصعب على المختصين والباحثين والأكاديميين اليوم ملاحظة العلاقة (العكسية) بين التدين والانتحار! وبين ما يُكسبه الدين لأتباعه من قدرات وتكيفات مع شتى ظروف الحياة واختلافات البشر الفردية والاجتماعية: في مقابل (الحيوانية) و (اللاغائية) و (العبثية) و (اللا أمل) الذي يزرعه الإلحاد في قلوب وعقول أتباعه! والعجيب أنك تجد لكل منهما دعاة يبشرون بعقيدتهم ويجملونها –بغض النظر عن كونها باطل أم حق–! فكما يُبشر الدين ودعاته على مختلف ألوانهم بالتفاؤل والصبر والألم واحتساب الأجر عند الله ... إلخ، نجد القصص والإعلام الغربي والأجنبي –والمتوغل حاليًا في دول المسلمين للأسف– والإنترنت يُزينون الانتحار والهروب ويُجملونه وخاصة أمام المراهقين والشباب الذين منهم مَن يُصدق ذلك، وتنتشر عدواه بينهم فيما يُعرف بتأثر فيرتر Werther effect –وهو اسم بطل رواية مسلسلة للأديب الألماني يوهان غوتة باسم آلام الشاب فيرتر 1774–.
صورة خريطية من الويكيبديا(13) توضح درجات (التدين) حسب التوزيع الأول وهو المعلون في دول العالم –الأحمر القاني هو الأكثر تدينًا– والأفتح يمثل الأقل تدينًا.
حسنًا !!.. دعونا الآن نقارنها بالصورة الخريطية التالية – أيضا – عن تركز نسبة (الانتحار) في دول العالم(14)! حيث اللون الأحمر القاني هو أكثرها نسبة في الانتحار لكل 100.000 – والأصفر الأفتح هو أقلها في نسبة الانتحار:
أقول.. فكما أن الإلحاد يتركز في أكثر دول العالم إنكارًا للإله – كالدول الشيوعية كروسيا أو الإلحادية كاليابان وشمال أوروبا – فلا تتعجبوا إذا استمرت المقارنة بين بعض الجرائم الإنسانية وملازمتها لتلك الدول المنكرة للإله ولو حتى المتسترة بالعلمانية والليبرالية!
مثال: موقع ناشيونال ماستر الشهير بإحصائياته وتمثيلها بيانياً والذي يمكن ملاحظة الفروقات الهائلة بين الدول الإلحادية الرسمية أو المتسترة وبين الدول الإسلامية مثلا – مرفق رابط جريمة الاغتصاب كمثال في الهوامش.(15)
ومن هذا المنطلق (العملي) و (الواقعي) في رؤية العلماء للتدين كحل ناجع للانتحار والإلحاد وويلاته: تم عقد الكثير من الدراسات والأبحاث في هذا الصدد على مدار السنوات الماضية! وذلك مثل دراسة في عام 2004م سنتعرض إليها فيما يلي، أثارت ضجة كبيرة في أوساط الغرب! حتى وصل رد فعلها إلى اهتمام المجلات المساندة للتطور نفسه بذات المسألة ونشر بحث متعلق بها مثل مجلة العلوم والتي نشرت دراسة في 2008م باسم: (أصل وتطور التدين المجتمعي)(16)(17) (The Origin and Evolution of Religious Prosociality)... والتي حاولت في نهايتها التقليل من شأن نتائجها التجريبية المُظهرة لتفوق الدين في ضبط وتسهيل السلوكيات الاجتماعية وإيجابيتها مقارنة بالإلحاد واللادينية! حيث ادّعت بأن المؤسسات العلمانية الحديثة قاربت على مساواة المقومات الدينية في ضبط هذه السلوكيات – وهو ما يعارضه الواقع من انتشار الانتحار والجرائم في الدول البعيدة عن الدين علنًا بالإلحاد أو تسترًا بالعلمانية! – (للاستزادة يمكن قراءة التعليق على هذه الدراسة من موقع الشؤون العامة لجامعة كولومبيا البريطانية بكندا(18)) .
وأما الدراسة التي تم نشرها في عام 2004م والتي كانت أكثر وضوحًا وصراحةً في بيان ذلك الفرق الشاسع بين التدين والإلحاد في ضبط النفس والمجتمع والبعد عن الانتحار الذي يمثل قمة الفشل الإنساني! فهي تلك التي نشرتها مجلة الطب النفسي بأمريكا باسم (الانتماء الديني ومحاولة الانتحار).(19)
صورة من الدراسة التي خرجت بالنتائج الفاضحة للحال المزري (النفسي والاجتماعي) للملاحدة وحاجتهم الماسة إلى الدين للعودة إلى (إنسانيتهم) الضائعة أو الهلاك!
وهي نفس النتائج التي يحث عليها الإسلام بخاصة من زواج وإنجاب وإيثار وأخلاق وصبر وحِلم وحُسن تعامل إلخ.
1– نسبة الانتحار لدى الملحدين أعلى ما يمكن!
2– نسبة الانتحار كانت أعلى لدى غير المتزوجين!
3– نسبة الانتحار قليلة بين مَن لديهم أطفال أكثر!
4– الملحدون أكثر عدوانية من غيرهم!
5– الإنسان المؤمن أقل غضبًا وعدوانية واندفاعًا!
6– الدين يساعد على تحمل أعباء الحياة والإجهادات ويقلل فرص الإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة!
7– الملحدون كانوا أكثر الناس تفككًا اجتماعيًا، وليس لديهم أي ارتباط اجتماعي لذلك كان الإقدام على الانتحار سهلاً بالنسبة لهم!
8– ختمت الدراسة بتوصية: إن الثقافة الدينية هي علاج مناسب لظاهرة الانتحار!
–––––––––––––
الخاتمة: حتى الانتخاب الطبيعي المزعوم يرفض إلحادك أيها الملحد!
تخيل..........؟!
فإنه حتى انتخابك الطبيعي المزعوم الذي اتخذته من دون الله عز وجل لتفسر به نشأة الحياة: هو يرفض إلحادك أيها الملحد! وهذه ليست مزحة والله ولكنها نتائج بحثية موثقة بأعداد المواليد وغيرها مما يثبت أن الإلحاد هو (سبب) في تناقص أعداد البشر وهلاكهم لذلك (يجب) التخلص منه و(انتخاب) المؤمنين لأنهم القادرين على البقاء –البقاء للأصلح–! ويا لها من مفارقة.(20)
صورة بيانية لتزايد نسبة المواليد (في ألمانيا بالأحمر والعالم بالأسود) في مقابل زيادة نسبة التدين والممارسات التعبدية في الأعياد أو شهريًا أو أسبوعيًا أو يوميًا!
صورة بيانية أخرى للأوربيين من أصل يهودي تبين فرق عدد المواليد للمرأة الواحدة في الأسر الملحدة (على اليمين) والمتوسطة التدين (في المنتصف) والمتدينة (على اليسار)!فهل نتعجب بعد ذلك –وكما ذكرت الدراسة– من أن يكتب كاتبٌ مثل إيريك كوفمان Eric Kaufmann كتابًا مُدَعَّمًا بالإحصائيات باسم (هل سيرث الدينيون الأرض Shall the Religious inherit the Earth )؟!(21)
والحمد لله رب العالمين.
(1) Martin Beckford, «Children are born believers in God, academic claims», The Telegraph 24 Nov 2008.
(2) José Manoel Bertolote, and Alexandra Fleischmann, A global perspective in the epidemiology of suicide, Suicidologi 2002, årg. 7, nr. 2
(3) James Heilman, Case fatality rate by suicide method in the United States, Jan. 2013 taken represented from Miller, M; Azrael, D; Barber, C (2012 Apr).
"Suicide mortality in the United States: the importance of attending to method in understanding population–level disparities in the burden of suicide" Annual review of public health 33: 393–408.
(4) Bill Briggs, Military suicide rate hit record high in 2012, NBC News 14 Jan 2013.
(5) QMI Agency (10 September 2011). "Inuit youth celebrate life on World Suicide Day". London Free Press. Retrieved 11 June 2012.
(6) Suicide every 40 seconds". Daily Mail. 7 September 2005. Retrieved 11 June 2012.
(7) Dawkins admits he's Not an Atheist but an Agnostic – YouTube.
(8) The precipitating circumstances for suicide from 16 American states in 2008 by James Heilman Jan. 2013 taken represented from Karch, DL; Logan, J; Patel, N; Centers for Disease Control and Prevention, (CDC) (2011 Aug 26). "Surveillance for violent deaths–National Violent Death Reporting System, 16 states, 2008.". Morbidity and mortality weekly report. Surveillance summaries (Washington, D.C. : 2002) 60 (10): 1–49.
(9) ارتفاع نسبة الانتحار بين المرضى النفسيين – 8 أغسطس 2011 – أخبار.دك
(10) Chehil, Stan Kutcher, Sonia (2012). Suicide Risk Management A Manual for Health Professionals. (2nd ed. ed.). Chicester: John Wiley & Sons. pp. 30–33.
(11) New York City Suicide Rate Is Half The National Average, Says Health Department, Huffingtonpost.com Posted: 02/24/2012.
(12) Health Department Announces Suicide Rate in NYC is Half the National Rate and Is Lower than Other Major U.S. Cities, Nyc.gov Feb. 23, 2012.
(13) Map image based on the results, and shows religiosity by country, ranging from the least religious to the most religious on a relative basis.
(en.wikipedia.org/wiki/File:Religion_in_the_world.PNG)
(14) Self inflicted injuries world map – Death – WHO 2004 (en.wikipedia.org/wiki/File:Self–inflicted_injuries_world_map_–_Death_–_WHO2004.svg)
(15) Rapes (most recent) by country > Number of sexual assaults recorded by police in that country per 100,000 population. NationMaster.com.
(16) Ara Norenzayan, Azim F. Shariff, "The Origin and Evolution of Religious Prosociality" Science 3 October 2008: Vol. 322 no. 5898 pp. 58–62.
(17) Ibid.
(18) Lorraine Chan "Religion Makes People Helpful and Generous – Under Certain Conditions: UBC Researchers" University of British Columbia Media Release Oct. 2, 2008 (publicaffairs.ubc.ca/media/releases/2008/mr–08–132.html)
(19) Kanita Dervic, M.D. et al, " Religious Affiliation and Suicide Attempt" Am J Psychiatry 2004; 161:2303–2308
(20) Michael Blume, "Atheists a dying breed as nature 'favours faithful' – Sunday Times Jan 02 2011 – Jonathan Leake – Full Draft Version" Scilogs.eu 06 January 2011
(21) Michael Blume, " Shall the Religious inherit the Earth? – New book by Eric Kaufmann" Scilogs.eu 27 March 2010