* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (الحرب على الإنسان) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
أسدلت معاداة الإنسانية البيئوية الستار أيضا عن مالتوسية وحشية، تسعى إلى الحد من أعداد الكائنات البشرية في العالم بشكل متطرف.(1) وقبل أن نمضي قدما في ذلك، لنكن واضحين رجاءً. أنا لا أنتقد هنا تنظيم الأسرة طواعية، والذي أعترف أنه يساعد الكثير في عيشة حياة أفضل وأكثر ازدهارًا. على الرغم من أن عدد معقول يمكن أن يختلفوا بشكل كبير في طرق تنظيم الأسرة –قضايا خارج نطاق عملنا هنا–، لكن تحديد عدد الأطفال والفارق الزمني بينهم قد يوفر فرصًا هامة لتحسين سلامة وسعادة الأسرة، فضلا عن أنها تغيث الأشد احتياجا في المناطق الأكثر فقرًا في العالم من العوز الشديد.
لكن تزويد الناس بالوسائل التي تمكنهم من تحديد عدد الأطفال، ليس كتقويض حجم الأسرة عبر قوة القانون ومخططات الإفناء الراديكالي؛ وهذا ما أركز عليه هنا. فكما سنرى، يناصر المدافعون والحقوقيون من أماكن عالية جدا سياسات سكانية غير أخلاقية بشكل بالغ، باسم البيئة.
جوناثان بوريت، الرئيس السابق للجنة التنمية المستدامة في المملكة المتحدة (UK’s Commission on Sustainable Development)، شجع على زيادة الإجهاض كوسيلة لإنقاذ الكوكب، حتى لدرجة التضحية بمصلحة المرضى من أجل تحمل تكاليف هذه السياسة. ذكرت صحيفة التايمز اللندنية:
في تحذير من مستشار الحكومة لشؤون البيئة: الأزواج الذين لديهم أكثر من طفلين هم أشخاص "غير مسؤولة" لأنهم بذلك يتسببوا في خلق عبئ على البيئة. يقول جوناثان بوريت، الذي يترأس لجنة التنمية المستدامة للحكومة، أن الضرورة تحتم وضع وسائل منع الحمل والإجهاض للحد من النمو السكاني في قلب السياسات المحاربة للاحتباس الحراري...يقول بوريت، الرئيس السابق للحزب الأخضر، أن على الحكومة تحسين خطط تنظيم الأسرة، حتى ولو كان ذلك يعني تحويل النفقات من بند علاج المرضى إلى زيادة وسائل منع الحمل والإجهاض.[*]
صاحب بزوغ قيم معاداة الإنسان مغازلة وتقوية لأفكار معاداة الحرية. على سبيل المثال، في جزء الأسئلة والأجوبة من خطابه الشهير، أشاد بيانكا بحكومة جمهورية الصين المستبدة لجهودها الرقابية لتطبيق سياسة "الطفل الواحد" على كامل سكانها: "سبب قدرة الصين على تحويل الدفة، وكونها ستصبح القوى العظمي الجديدة في العالم، هي أنها دولة بوليسية، يمكنهم إرغام الناس على تطبيق القانون والتوقف عن التكاثر".(2) لو أن الشخص يرى أننا مرض معدي منتشر على الأرض، فالطغيان وسيلة منطقية إذن لاحتواء المرض.
وللأسف، مثلما سنرى في هذا الكتاب، بيانكا ليس الصوت الوحيد هنا، على الرغم من أن سياسة الصين قد فضحت مرارًا وتكرارًا لكونها تتضمن عمليات إجهاض قسري، وتفش لوأد البنات، وإطلاق لعنان تحسين النسل القسري لمكافحة الإعاقة. كما هو موضح في صحيفة وول ستريت، فصلت الكاتبة (سوزن جرينهال Susan Greenhalgh) التبعات في كتابها (تنشئة المواطنين العالميين: التعداد السكاني في صعود الصين Cultivating Global Citizens: Population in the Rise of China)ـ(3)
توضح جرينهال، أن بكين في سعيها لإيجاد أمهات وأطفال "فائقين"، نحّت جانبا العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومارست التمييز ضد فئات كاملة من الأفراد منخفضي الجودة: "سكان الريف، المهاجرين من الريف إلى المدن، النساء، الأقليات، والذين لديهم أجسامًا دون المستوي" وكذلك "المنحرفين" كالمثليين والشركاء غير المتزوجين. وكتبت "تم استهداف بعض فئات المواطنين منخفضي الجودة (كالنساء) بحملات تحسين وتطوير ممولة من الدولة، في حين تم التخلي عن آخرين (سكان الريف على سبيل المثال) لكونهم عديمي الفائدة لحركة التحديث".(4)
تحسين النسل القسري هي أيضًا سياسة الصين الرسمية، وبالتالي وقع الشعب فريسة لانتقاء جنسي سافر:
أدت الضغوط الرسمية الهادفة لتقليص و"تحسين" المواليد إلى قتل الأطفال والإجهاض الانتقائي، الأمر الذي أدى بدوره إلى وجود فجوة بين الجنسين في صفوف المواليد 120 ولد لكل 100 بنت على أفضل تقدير. وبالتالي، لن يجد الكثير من الرجال الصينيين زوجات، وسيكون لدى عدد أقل من كبار السن بنات يسعون على راحتهم وتقديم الدعم لهم. استوعب العديد من الصينيين أولاد المدن التحيز ضد العائلة، وكما وصفت السيدة جرينهال، يشعرون بالقليل من الالتزام لرعاية والديهم، ولا يرغبون بإنجاب الأطفال، ويفكرون دوما كيف يمكن أن يصبحوا أثرياء.
من المذهل كيف لمثل هذا الانحراف الثقافي الصغير أن يسترعي انتباه من يلحق بحالة الهياج البيئي. فكرة أن الكائنات البشرية هي عدو الأرض تبدو بشكل أكثر تطرفًا وفجاجة في (الحركة الطواعية لانقراض البشر Voluntary Human Extinction Movement)ـ(5) والتي تختصر إلى (VHEMT). يصرح موقع الحركة بأنه "يتعين على الوعي الجمعي لدينا أن يتغير من التمركز حول البشر إلى التمركز حول البيئة، حيث تكون للأرض الأولوية القصوى"، وتتلهف الحركة بحماس إلى عالم خال من البشر:
تبدو وكأنها جنة، أليس كذلك؟ عالجت جايا تماما الفيروس الإنساني. بدون وجود الكائنات البشرية كثيري التدخل في شؤون الغير على الأرض، ستستطيع كل الأنواع الأخرى الحصول على فرصة عادلة للبقاء على قيد الحياة.
بطبيعة الحال، ليس الأمر بهذه البساطة، لكن من أجل المتعة فحسب، دعونا نتصور حلمًا مستحيلًا: تفقد كل الحيوانات المنوية البشرية فجأة وبشكل دائم قابليتها وجدواها –لا تبدأ أي بويضة بشرية مخصبة عملية الانقسام الميتوزي لتكوين الزيجوت– ولا تتحول المضغة إلى ذلك الجنين المقدس، فلا تكتمل العملية ويحكم عليها بالسجن المؤبد. لن نحتاج إلى أية مفاهيم، ولن نشرع في تنفيذها... ستبدأ الفوائد بالظهور تلقائيا على كل من المجال الحيوي والبشر. الموارد التي كانت تهدر على إنتاج ذرية جديدة يمكن إعادة توجيهها لصالح من يحتاجها من الباقين من العائلة البشرية. الحب والرعاية والتربية التي تنفق الآن لإعداد ورثة لا حاجة لهم يمكن أن توجه إلى إيقاف القتل والبدء في المعافاة. حلم جميل.(6)
لا تضحك. لقد كتبت العديد من الكتب عن تلك الجنة التي ستبرز حال فنائنا. بالطبع، لن يعلم عنها أحد، لأن الأنواع المتبقية ستكون غير قادرة على تقدير منظر الغروب أو الاستمتاع المطلق بالمشي في الغابات القديمة.
[*] Sarah-Kate Templeton, Two children should be limit, says green guru, Feb 1, 2009, The Sunday Times.
(1) المالتوسية هي فكرة أن النمو السكاني يحتمل أن يكون أسيًا بينما يكون نمو الإمدادات الغذائية أو الموارد الأخرى خطيًا، مما يقلل في النهاية من مستويات المعيشة إلى درجة التسبب في موت السكان. الفكرة مستمدة من الفكر السياسي والاقتصادي للقس توماس روبرت مالتوس Thomas Robert Malthus، كما أسس لذلك في كتاباته عام 1798 (مقال عن مبدأ السكان An Essay on the Principle of Population).
“Malthusianism,” Wikipedia, http://en.wikipedia.org/wiki/Malthusianism.
(2) Rick Pearcey, “Dr. ‘Doom’ Pianka Speaks,” The Pearcey Report, April 6, 2006, http://www.pearceyreport.com/archives/2006/04/transcript_dr_d.php/.
(3) Susan Greenhalgh, Cultivating Global Citizens: Population in the Rise of China (Harvard University Press, 2010).
(4) Jonathan Mirsky, “China’s Dreams of Superior Children,” The Wall Street Journal, Jan. 2, 2011, http://online.wsj.com/article/SB10001424052748704735304576057300258180310.html.
(5) Voluntary Human Extinction Movement, http://www.vhemt.org/.
(6) http://www.vhemt.org/success.htm#popshrink.