* ملحوظة: هذا المقال هو من كتاب (الحرب على الإنسان) للمزيد يرجى مراجعة الكتاب.
في عصر تصنف فيه المبادئ الرئيسية في كثير من الأحيان عاطفيا، وتسيطر القصص المحبوكة –غير المسندة بحقائق– علينا، قد يتساءل الكثير باستهجان ما الفرق بين حمايتنا للبيئة باعتبارها مسألة واجب إنساني، وبين فرض "حقوق" مزعومة للطبيعة؟ فما يهم هنا، كما سيقول البعض، هو "إنقاذ الأرض".
لا أتفق طبعا مع افتراضات نهاية العالم الكارثية. لكن إن نحينا هذه النقطة جانبا، أتفق تماما أن على الانسان واجب التصرف بمسؤولية تجاه البيئة؛ وأن إرساء الممارسات المناسبة هي من الوظيفة المشروعة للقانون. وخلافا لمعاديين الإنسان المتطرفين، أعتقد أن تعزيز سلامة وسعادة الإنسان هو أمر بالغ الأهمية، وفي الواقع، ينبغي أن يكون أول الاهتمامات.
أتفهم أنه قد يكون هناك تعارض حيوي بين حماية البيئة وتعزيز السلامة والسعادة الإنسانية، وهناك مساحة كبيرة متسعة للنقاش المعقول حول إرساء التوازنات المناسبة. مثل هذه المناقشات قد تتعثر وتصل إلى نهاية مريرة بعض الأحيان، لكن لها وظيفة ضرورية في سن سياسات عامة مقبولة في مجتمع حر. ولا شك أنه سيكون هناك أوقات عندما يكون الرخاء البشري مقيد بقيود بيئية لازمة ومفروضة؛ لا أحد يؤيد العودة إلى الأيام القديمة السيئة من استخدام الأراضي غير المقيد، ولا أحد يريد أن يُسمح بالتراخيص للصناعات الثقيلة لتلويث البيئة عند الرغبة، ولا أحد يرغب في دفع الأنواع المهددة بالانقراض نحو الفناء.
لكن عند الادعاء بحماية الطبيعة من خلال إعادة تعريف الإنسانية باعتبارها مجرد نوع واحد على قدم المساواة مع جميع الأنواع الأخرى على الأرض، نسبب لأنفسنا ضررا بالغا. عندما نؤكد على أن الغطاء النباتي والحيواني –ربما حتى الوديان والأنهار الجليدية وغيرهم من الظواهر الجيولوجية– لديها جميع "الحقوق"، نحن بذلك نحط من قيمة المبادئ الليبرالية المنبثقة عن "قوانين الطبيعة وإله الطبيعة" (مقتبسين عبارة بارزة من إعلان الاستقلال) بنفس الطريقة التي يرخص بها التضخم المالي المفرط من قيمة العملة. في الواقع، لو أن السنجاب أو عيش الغراب وجميع الكيانات الأرضية الأخرى لديهم حقوقا بطريقة أو بأخرى، فإن المفهوم ذاته لن يكون له قيمة.
والأهم من ذلك، أن منح الطبيعة حقوقا سيكون حماقة فكرية. "الحقوق" لا يمكن فهمها إلا في سياق إنساني فقط. بروفيسور الفلسفة بجامعة ميشيجان (كارل كون Carl Cohen)، صاغ الأمر على هذا النحو "الحق... هو مطالبة صالحة، أو مطالبة محتملة، قد تتم عن طريق فاعل أخلاقي، وفقًا لمبادئ تحكم كل من المدعي وهدف المطالبة".(135) وحيث أن الإنسان هو الفاعل الأخلاقي فقط، فالإنسان إذن هو القادر فقط على امتلاك الحقوق.
يصف بروفيسور الفلسفة بجامعة ريدنج في بريطانيا (ديفيد أودربرج David S. Oderberg) هذا المفهوم ذو الاتجاهين بشكل مختلف نوعا ما:
ما يهم في الحصول على الحقوق قائم على شقين: أ) المعرفة ب) الحرية. على نحو أدق، صاحب الحق يجب أولا أن يعرف أن ما ينتهجه هو جيد بالأساس، وثانيا، يجب أن يكون حرًا ليفعل ذلك. لا أحد يمكن أن يكون في إطار واجب احترام حق الغير لو أنه على غير علم بما يفترض منه أن يحترم.(136)
باختصار، لكي تمتلك الطبيعة الحقوق، يتعين عليها أيضا أن تكون قادرة على تحمل الواجبات المصاحبة تجاه الآخرين. وبالتالي، لو أن حقوق الطبيعة "موجودة، تجدد، وتزدهر" يمكن فرضها ضدنا، سيتعين علنا أن نكون قادرين على تقديم نفس المطالبة ضد الطبيعة، وبالطبع هذه فكرة هزلية.
البيئويون الذين يتبنون عدم استثنائية الإنسان يعلنون أنه بمجرد أن نرى أنفسنا على أننا مجرد جزء من كل، جزء متساو في القدر مع الطبيعة، حينها سنعامل الطبيعة بنفس الطريقة التي نريد أن نعامل بها. إلا أنه لا يوجد أنواع أخرى مهتمة مثقال ذرة بحماية الطبيعة. فعلى سبيل المثال، قطيع الفيلة سيدمر كل شيء في طريقه دون التفكير للحظة عن الضرر البيئي الناتج عنهم، أو حتى في قاطني الإقليم المشترك من الحيوانات الأخرى الذين يقتلوهم في طريقهم.
وحيث أنهم غير قادرين على إدراك هذا الأمر، فهذا ليس انتقادًا للفيلة. نحن –ونحن فقط– النوع الوحيد القادر على التحرك ضد مصالحنا المباشرة لحماية البيئة. ونحن الوحيدين الذين دعينا للتضحية بازدهارنا ورخائنا من أجل حماية "حقوق" جميع من هم على هذا الكوكب. ولو أن ذلك لا يجعلنا استثنائيين، فما الذي يجعلنا إذن؟
استُهِل هذا الكتاب بالإعلان الفج للشاب ديفيد سوزوكي عام 1972 أن البشر هم "كالديدان" يعيشون حياتهم "زاحفين بحثًا عن الأكل ثم التبرز في جميع أنحاء البيئة". وسنغلق الدائرة بالثمانيني، السير (ديفيد آتنبرا David Attenborough)؛ الشهير بتقديم الفيلم الوثائقي (الكوكب الحي The Living Planet) وغيره من الوثائقيات على البي بي سي. انتقد آتنبرا في عام 2013 البشر ووصمهم بـ"الوباء الذي يمشي على الأرض"، في إطار دعم واضح لفكرة إخفاض التعداد بشكل جذري. نرى في مقال التليجراف:
قال المقدم التلفزيوني أن الجنس البشري يهدد بقاءه وبقاء غيره من الأنواع عن طريق استنزاف موارد العالم. وأضاف أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ الكوكب من المجاعات وانقراض الأنواع هو الحد من النمو السكاني المضطرد. "نحن كالطاعون على هذه الأرض. طاعون يهبط فوق الأرض للخمسين سنة القادمة أو أكثر. الفكرة ليست فقط في الاحتباس الحراري؛ الفضاء الضخم، الأراضي الشاسعة التي تستخدم في استزراع وإنماء الطعام من أجل هذا الحشد الهائل من البشر. إما أن نحد من النمو السكاني، أو أن الطبيعة ستقوم بهذه المهمة من أجلنا. وبالفعل، العالم الطبيعي يحقق لنا ذلك على أرض الواقع في الوقت الراهن". هذا ما ذكره في (راديو تايمزRadio Times)ـ(137)
يعد آتنبرا راعي مؤسسة (بوبيوليشن ماترز Population Matters) المعنية بتأثيرات النمو السكاني على المدى الطويل، وهي أكبر منظمة غير ربحية في المملكة المتحدة. اتفق أحد ممثلي المجموعة مع آتنبرا، واصفًا تشبيهه المعادي للبشرية "بالمناسب"، ذلك التشبيه الخاص بآتنبرا ينص على أننا بالفعل "مثل وباء الجراد الذي يستنفذ كل شيء يراه أمامه ثم يموت".(138)
عندما تحدث سوزوكي لأول مرة، شكلت مثل تلك التصريحات صدمة للجمع. أما الآن، فقد أصبحت من كليشيهات الدفاع عن البيئة. إلا أن كره الإنسانية يعد أمر خطير.
ببساطة، لا تتسق الأهداف والأحلام الراديكالية المعادية للإنسان مع حرية الإنسان والحرية الشخصية. منح الطبيعة حقوقًا سيخنق الازدهار. قوانين الإبادة البيئية ستمنع، ليس الدول الغنية، بل الدول الفقيرة من الخروج من محنتها وفقرها. توفر وسائل تنظيم الأسرة اللاقسري فوائد عظيمة. لكن في الواقع، يتطلب الحد من أعدادنا تدابير مجحفة. في النهاية، سياسة الطفل الواحد القاسية في الصين أدت فقط إلى تباطؤ النمو السكاني في البلاد، ولم يتضاءل التعداد الفعلي للسكان في الصين.(139)
ولو أن مثل تلك الإجراءات المجحفة السافرة لم تخفض من تعداد الصين، ماذا سيتطلب لإجبار التعداد العالمي للسكان أن يتقلص فعليًا؟ الوسائل الشبيهة بالإبادة الجماعية؛ التي –لا حاجة للقول– لا يمكن لآتنبرا ورفاقه في منظمة بوبيوليشن ماترز أن يفكروا فيها أو يدعموها.
ماذا عن الآخرين، المتعصبين الأقل تحضرا، الذين يملكون نفس الأيديولوجية المناوئة للإنسان التي تتخلل الاتجاه السائد للحركة البيئوية الآن، لكن بدون الوساوس والتسامح السياسي وسياسة "المحظورات" الليبرالية الأرستقراطية العصرية؟
في النهاية، يظهر التاريخ العواقب المميتة للسماح بالاتجاه المعادي للإنسان بأن يسوق السياسة والثقافة؛ كما تعلمنا من الاضطهاد المتشعب الذي أثارته حركة تحسين النسل الإنساني في النصف الأول من القرن العشرين.(140)
إن تحقيق أي نصر لحركة معاداة الإنسان داخل إطار المناصرة للبيئة يهدد بطغيان بيئوي ثيوقراطي. ومثل تحسين النسل القسري، الأجندات المروجة لمعاداة الإنسان التي تمت مناقشتها في هذا الكتاب هي كلها مساع طوباوية خيالية بشكل مبالغ، بمعنى أن كل الغايات المهمة المتصورة ستأتي في نهاية المطاف لتبرير وسائل قسرية. في الواقع إن التقاء كل من كراهية الإنسان، والمالتوسية المركزة، والدعوة المتجددة لإعادة توزيع الثروة بشكل جذري –وجميعها الآن رؤى حسنة السمعة داخل إطار الحركة البيئية– يهدد بحدوث بكارثة.
لكي لا تقولوا أنه لم يتم تحذيركم....
(135) Carl Cohen, The Animal Rights Debate (Roman and Littlefield, 2001), p. 17, available online at http://carl-cohen.org/books/AnimalRightsDebate/chapter3.pdf.
(136) David S. Oderberg, “The Illusion of Animal Rights,” Human Life Review, Spring-Summer 2000, p. 42, available online at http://www.scribd.com/doc/50084724/Oderberg-The-Illusion-of-Animal-Rights.
(137) Louise Gray, “David Attenborough—Humans are a plague on Earth,” The Telegraph, January 22, 2013, http://www.telegraph.co.uk/news/earth/earthnews/9815862/Humans-are-plague-on-Earth-Attenborough.html.
(138) Population Matters, “Is humanity a plague?” Population Matters, January 24, 2013, Last accessed October 13, 2013, https://www.populationmatters.org/humanity-plague/.
(139) “The most surprising demographic crisis,” The Economist, May 5 2011, http://www.economist.com/node/18651512.
(140) Edwin Black, War Against the Weak (Four Walls Eight Windows, 2003); also see http://www.waragainsttheweak.com/.