إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، أما بعد..
في أحد ليالي نوفمبر عام 2014 فوجئت بالعديد من الاتصالات الهاتفية من المعارف والأصدقاء تخبرني بأن أحد المذيعين المعروفين بتوجههم الماركسي خرج في برنامجه يسب ويشتم السلفيين الذين أعلنوا عن دورة علمية لمقاومة الإلحاد، وكنت وقتها مدعوًا من قبل مركز الفتح للبحوث والدراسات لإلقاء محاضرتين في هذه الدورة بالاشتراك مع الدكتور الفاضل هيثم طلعت سرور والأستاذ المهذب الخلوق مصطفى نصر قديح، في الحقيقة لم أكترث كثيرًا لهذا الأمر لأنه قد سبقه هجومٌ ضارٍ من صحفيين وإعلاميين على هذه الدورة اشتمل على مطاعن واتهامات وسوء طوية مما دفعني فيما بعد لاتخاذ إجراءات قانونية تجاه بعض هذه الاتهامات التي تضمنت سبًا وقذفًا يؤاخذ عليه القانون.
لم تكن هذه الدورة هي أول علاقتي بملف الإلحاد الجديد في العالم العربي؛ ففي عام 2004 كنت أحد المشاركين في تأسيس منتدى التوحيد المتخصص في الحوار حول الإلحاد والمذاهب الفكرية المعاصرة، وقد شاركت -وما زلت أشارك- في الحوارات التي دارت داخل هذا المنتدى الكبير مع ملاحدة ولادينيين عرب وأكراد وأمازيغ وتركمان وأفارقة من مختلف بلاد المسلمين على مدار سنوات عديدة، وكان المنتدى يصدر مجلة إليكترونية مجانية يتم توزيعها عن طريق شبكة الانترنت، ثم صارت له قناة فيديوية على اليوتيوب، وصفحة على الفيس بوك، وحساب على تويتر، ووصل في عام 2010 أن كانت له غرفة حوارية في برنامج البالتوك الشهير استمرت عامًا أو يزيد. وكان هذا المنتدى سببًا في هداية أفواج من الملحدين والمتشككين والحيارى إلى الإسلام، كما كان سببًا في اكتسابي أنا شخصيًا الكثير من الخبرة في حوار الملاحدة واللادينيين ومعرفة مسالكهم وطرقهم في طرح الشبهات وفهم عقلياتهم وذهنياتهم ومواطن استشكالاتهم، بالإضافة إلى اكتساب عدد كبير جدًا من الأصدقاء والأحباب الذين يشاركونني نفس القضية الدعوية والذين تعلمت منهم الكثير والكثير وما زلت أتعلم منهم حتى اليوم.
في أواخر عام 2013 قامت نخبة متميزة من رواد منتدى التوحيد بقيادة المايسترو الأستاذ الفاضل عبد الله الشهري بإنشاء مركز براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية ليكون خطوة جديدة في تناول ملف الإلحاد خارج إطار الشبكة العنكبوتية، وقام المركز فعلاً بإصدار عدة أعداد من مجلة براهين تميزت بالمستوى العلمي والشرعي الرفيع. لكن العمل على الأرض في معالجة الإلحاد بدأ قبل هذا بفترة حيث استضافتني جمعية سخاء للتعريف بالإسلام للمشاركة في دورة عن الإلحاد مع الدكتور الحبيب أحمد الغريب والأخ الفاضل اللبيب الأريب أحمد جاويش في سبتمبر عام 2012، وبعدها قمت بالمحاضرة عن الإلحاد وأطروحاته في العديد من المناسبات والندوات والفعاليات الدعوية والفكرية كانت أبرزها الدورة التي أقامها مركز الفتح للبحوث والدراسات في يونيو 2014 عن مقاومة الإلحاد حيث ألقيت أربع محاضرات في يومين عن الإلحاد ونقده والأدلة على وجود الله ونظرية التطور.
في شهر يوليو من نفس العام 2014 شاركت مع الدكتور الفاضل محمود نجا المدرس بكلية طب المنصورة في ست حلقات على قناة الرحمة الفضائية في شهر رمضان الماضي حيث استضافنا فضيلة الدكتور محمد داود في برنامجه (حوار الإيمان والإلحاد) للكلام حول نقد نظرية التطور، ثم تكررت هذه اللقاءات الفضائية بعد شهر رمضان حتى اليوم وشارك فيها أيضًا الدكتور هيثم طلعت والأستاذ مصطفى قديح.
قبل هذه الآونة كنت قد شرعت في تأليف كتابٍ أضم فيه محتويات المحاضرات التي ألقيها عن الإلحاد الجديد، وقد شجعني على القيام بهذه الخطوة فضيلة الشيخ محمد سعد الأزهري مدير مركز الفتح للبحوث والدراسات، وكنت أنوى أيامها الكتابة فقط عن الإلحاد الجديد ونقد أبرز أطروحاته، ثم بدا لي أن أزيد عليه بالكتابة في الأدلة على وجود الله حيث سعيت في جمعها من جميع المصادر المتاحة في حدود إمكانياتي ثم قمت بتصنيفها وتقسيمها نوعيًا حتى تكون سهلة التناول بالنسبة للقارئ، وأسأل الله عز وجل أن أكون وفقت في طرحها نظرًا لما وجدته من عدم وجود مصنف جامع شامل في المكتبة العربية الإسلامية يحرص على جمع كل الأدلة على وجود الله، وأرجو أن يكون هذا العرض السريع لها في كتابي فاتحةً لأعمال أخرى أكثر عمقًا ينهض لها الباحثون المتخصصون في هذا الباب.
وطالما بلغنا هذا القدر في الكلام عن محتويات الكتاب، أرى أنه يجدر بنا تقديم عرض مجمل لموضوعاته، فالكتاب ينقسم إلى أربعة أبواب:
- الباب الأول بعنوان الإلحاد الجديد، ويبدأ بالتعريف بظاهرة الإلحاد الجديد في الغرب ونشأتها وأبرز رموزها وأطروحاتها، ثم فصل عن أسباب الإلحاد بين الشباب العربي استعرضت فيه أبرز الأسباب التي ذكرها من سبقني من الباحثين ثم أضفت إليها أسبابًا أخرى مقسمة موضوعيًا، ثم فصل عن سمات الإلحاد الجديد في الغرب.
- الباب الثاني بعنوان الأدلة على وجود الله، وهو في ثلاثة فصول: الفطرة ودلالتها على وجود الله؛ والأدلة العقلية على وجود الله؛ والمرجحات الخارجية للإيمان على الإلحاد. وقد راعيت في هذا الباب التقسيم والتصنيف النوعي للأدلة خصوصًا الأدلة العقلية المستمدة من النظر العقلي.
- الباب الثالث بعنوان أطروحات الإلحاد في مناوئة الأدلة على وجود الله، وهو في أربعة فصول: سؤالهم من خلق الله؛ ومشكلة وجود الشر؛ وزعمهم تناقض القدرة الإلهية؛ وتناقض العلم الإلهي. وفي كل فصل اهتممت بالجواب عن الشبهة الإلحادية بشكل يقنع العاقل المنصف.
- الباب الرابع بعنوان نقد أطروحات الإلحاد، وهو في خمسة فصول: الإيمان المطلق بالعلم؛ والفلسفة المادية؛ والمحكم والمتشابه الكوني؛ وسؤال الأخلاق؛ وحرية الإرادة. وفيه تناولت السمات المميزة لذهنية الملحد، وبينت تناقضها مع العقل والحس بالإضافة إلى تناقضاتها الداخلية.
- الخاتمة بعنوان سبل مكافحة الإلحاد، وفيها تقدمت ببيان أهمية تناولنا لهذا الملف، ثم كيفية تناوله إما عن طريق تقسيم محاور العمل فيه أو عن طريق اقتراح بعض التوصيات المنهجية المفيدة للباحثين والعاملين فيه.
وقد أسميته (الإلحاد للمبتدئين: دليلك المختصر للحوار بين الإيمان والإلحاد) نظرًا لطبيعته الموجزة المختصرة، وأحمد الله حمدًا كثيرًا جدًا على توفيقي لإتمامه، ولا يتم شكر الله إلا بشكر من كانوا عونًا لي في خروج هذا الكتاب، وأولهم زوجتي الحبيبة الصبورة التي كانت خير عون لي في توفير الظروف المنزلية المناسبة لتأليف هذا الكتاب، وكذلك بنتاي الصغيرتان سما ومنة اللتان كانتا مصدر إلهام كبير لي خصوصًا في المباحث المتعلقة بالفطرة الربانية في الأطفال. وأتوجه بالشكر الجزيل لكل من فضيلة الدكتور خالد بن منصور الدريس أستاذ الحديث بجامعة الملك سعود والأستاذ عبد الله الشهري والمهندس عبد الله العجيري، فهم من أكثر الشخصيات التي استفدت بطرحها الفكري في قضية الإلحاد بالإضافة إلى أكابر المحاورين بمنتدى التوحيد الذين لا أحصي أسمائهم، ويظهر أثر ذلك بالغًا لمن يقرأ هذا الكتاب المتواضع. وشكرًا حارًا وافرًا للأخوين الفاضلين سلطان العميري وأحمد جاويش على اطلاعهما على هذا الكتاب وملاحظاتهما الموضوعية بالغة الأهمية والتي ساهمت في جعله أفضل طرحًا وتنظيمًا. ولا يفوتني شكر جميع القائمين على مركز براهين لدراسة الإلحاد، هؤلاء الجنود المجهولون الذي لا يكتبون أسمائهم على الكتب والمقالات ويعملون بدأب ونشاط، فلهم كل الشكر والتحية والتقدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على نبينا محمد وسلم.