لماذا هذا الكتاب؟!
بعد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب، سيكون من الصعب عليك أن تعرف كيف سترشحه لصديقك. هل ستثني عليه بسبب القدر الغزير من المعلومات العلمية التي يوثق بها المؤلف كل فقرة تقريبا من كتابه؟ هل ستثني عليه بسبب الأسلوب شديد الإمتاع في السرد، الذي يجعلك لا تود أن تتوقف قبل أن ينتهي الكتاب، وريثما انتهى تشعر بالحزن لانتهائه؟ أم ستثني على أنه في ظل تمسكه بهذا بالأسلوب لم يتخلى عن توضيح الرسالة التي هي هدفه الأساسي؟ أم لأنه رغم قتامة القصة المأساوية التي يرويها، لم يتخلى عن حس الدعابة من حين لآخر؟ أم لأنه لم ينهي القصة بدون أن يشير إلى بارقة الأمل؟
ربما يتحمس صديقك لقراءة الكتاب، وربما يجدك قد بالغت في المدح، وقد يكون الحق معه، فتلك النوعية من الكتب عادة لا تجتمع فيها كل تلك الصفات. لكن ويلز هنا فعلها، وفعلها بجدارة واقتدار.
نشر جوناثان ويلز كتابه الأول (أيقونات التطور: علم أم خرافة؟) في عام 2000. وانطلق من بعده طوفان جارف من الردود والانتقادات والاتهامات ووو. لكن الردود ارتكزت على جانبين، إما أن ويلز مخطئ والأيقونة صحيحة، وإما أن الأيقونة خاطئة وغير موجودة في الكتب والمراجع الدراسية. مرت السنوات، مرت خمسة، وعشرة، وخمسة عشر سنة، ووصلنا لعام 2016 (وقت كتابة هذا الكتاب)، وما زالت الأيقونات التي قالوا أنها غير موجودة في عام 2000 تزين صفحات كتب البيولوجيا الدراسية حتى عام 2016. التفاصيل محزنة من ناحية، وممتعة في الوقت ذاته، وويلز كما سماه ستيرنبرج، هو فعلا محطم أيقونات. فالرجل لا يتفلسف، ولا يتلعثم في نقده، ولا يترك ثغرة وراءه. من المستحيل تقريبا على أي دارويني منصف أن يقرأ هذا الكتاب ثم يظل على موقفه. وكذلك من المستحيل على أي منصف (دارويني أو غير دارويني) أن يقرأه ولا يستشعر بعد أن ينتهي منه الخطر الذي تمثله الداروينية على الممارسة العلمية. فالأمر قد تجاوز التفاصيل التقنية والأخطاء المعتادة والتحيزات الطبيعية، وتحول إلى التزوير المتعمد والممنهج والمستمر.
لكن هناك أمل، وحركة التصميم الذكي تتحرك بتؤدة وثبات، رغم كونها أقلية، ورغم اعتمادها على تمويلات متواضعة (بخلاف التمويل الحكومي غير المشروط للمؤسسات الداعمة للداروينية)، ورغم المعارضة الأكاديمية، ورغم الحرب الإعلامية، بل والقضائية في بعض الأحيان. تجاوزت الحركة كل ذلك، وحققت أهداف المرحلة الأولى منها (التأسيس النظري)، والثانية (التوسع في شرح الأدلة)، ووصلت للمرحلة الثالثة (التطبيق التجريبي)، وأصبحت هناك أمل قوي في نهاية عصر تضييق الدوجما المادية على العلم والعلماء. فهل نكون متفائلين كـ ويلز ونقول كما قال في نهاية كتباه "ها قد أشرقت الشمس، وعهد العلم الزومبي بدأ في الانتهاء"، أم أن الدوجما المادية ما زال في جعبتها الكثير من الظلام؟
نأمل أن يعمل هذا الكتاب على إفاقة المنبهرين بالدوجما المادية، وأن يساعد في خلق بيئة حوارية معتمدة في الأساس على الأدلة والبراهين، وأن يعين الباحث عن الحق في الوصول إلى بغيته. والشكر موصول إلى فريق العمل والقراء الأعزاء وكل من دعم استمرارنا.