مقدمة
علم الفلك هو أقدم العلوم الرقمية، كان في العصور القديمة جوهري لعمل التقويمات وللملاحة، والآن يواجه موجة من الاكتشاف. التركيز المتزايد على الزمن ونحن ندخل الألفية الجديدة، يعزز الاهتمام ببيئتنا الكونية. لا يزال علم الفلك هو علم الأرقام، وهذا الكتاب هو قصة ستة أرقام، والتي تعد مصيرية للكون ولمكاننا فيه.
وتعليقا على الحدود غير الواضحة للخرائط القديمة، كتب رسامي الخرائط: "هناك تَنانين".[1] بعدما أحاط الملاحين الأوائل بأرجاء المعمورة وقاموا بترسيم حدود القارات والمحيطات الرئيسية، قام المستكشفون اللاحقون بملء التفاصيل الباقية. لكن لم يبق أمل في اكتشاف قارة جديدة، ولم يكن هناك مطلقًا أي توقع بأن حجم وشكل الأرض سيعاد تقييمهم بشكل جزري. لأن الضوء القادم من الأجرام البعيدة يستغرق وقت طويلًا في ارتحاله إلينا، فالتلسكوبات الحديثة الآن تذهب هي لسبر أغوار الفضاء. كما أنها أيضا تعطينا لمحات عن الماضي السحيق، فقد اكتشفنا "حفريات" رصدت في الثواني القليلة الأولى من التاريخ الكوني. وكذلك المركبات الفضائية كشفت لنا وجود عن النجوم النيوترونية والثقوب السوداء والظواهر الأقصوية الأخرى التي توسع من إدراكنا للقوانين الفيزيائية. تلك التطورات وسعت بشكل كبير آفاقنا الكونية. وقد كانت هناك محاولة لاستكشاف العالم الصغير داخل الذرة، نتج عنها رؤى جديدة عن طبيعة الفضاء على أدق المقاييس بالتوازي.
لم يتوقع غالبيتنا الصورة التي رسمتها لنا الخريطة الزمكانية. تلك الصورة التي قدمت لنا منظورًا جديدًا عن كيف لحدث تخليقي واحد أن يُخَلِّق بلايين المجرات والثقوب السوداء والنجوم والكواكب، وكيف للذرات أن تتجمع –سواء هنا على الأرض أو ربما في عوالم أخرى– لتكوين مخلوقات حية معقدة بما يكفي كي تتأمل في أصولها. هناك علاقة وطيدة بين النجوم والذرات، وبين الكون الكبير والعالم الميكروي الصغير. وهذا الكتاب يوضح –بدون التعقيدات التقنية– القوى التي تتحكم في وجودنا، أو بالأحرى، في الكون بأكمله. إن نشوؤنا واستمرار بقاءنا على قيد الحياة مرهون بوجود كون معد بعناية، كونٌ قد يكون أوسع حتى من الكون الذي يمكننا ملاحظته فعليًا.
[1] جمع تنين، وجملة "هناك تَنانين" كانت متداولة بين رسامي الخرائط في القرن السادس عشر، تطلق على المناطق الخطيرة غير المستكشفة كنوع من تحذير الناس من ارتياد تلك المناطق اعتقادًا منهم بوجود مخلوقات أسطورية تقبع في هذه المناطق. (المترجم)